[التأويل والمقاييس الصحيحة]
ـ[عمر الريسوني]ــــــــ[25 - 09 - 09, 09:34 م]ـ
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
التأويل هو صرف الكلام عن ظاهره الى معنى يحتمله بدليل يصيره راجحا، و لا يكون مطلقا على عواهنه، بل لا بد له من شروط تقيده كوضع اللغة العربية
وموافقتها لسان العرب وعرف استعمالها ووجود الدليل على استعمال اللفظ في المعنى المحمول عليه، والقياس يجب أن يكون واضحا جليا ومقبولا وموافقا للمقاييس الصحيحة
حتى لا يتم الخروج على النهج الصافي فيما أخبر عنه رب العالمين:
{وما يعلم تأويله الا الله} الآية.
وعلى العبد تفويض أعماق المعاني لله تعالى والاعتقاد الجازم بأنها حق وصدق على الوجه الذي ارتضاه ربنا عز وجل خصوصا العقائد وصفات الباري عز وجل المنزهة عن كل تأويل.
و هناك عدد من التأويلات التي يجب التنبه فيها حيث يحمل اللفظ على مجازه لا على حقيقته
ومنها ما يأتي مضمرا ومترادفا وتأكيدا وتقديما وتأخيرا وتخصيصا ومن الأمثلة قوله تعالى:
{ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء الا ما قد سلف} الآية، فهل المقصود بالنكاح في الآية العقد أو المقصود الوطء فمن اعتبر الحقيقة الشرعية العقد فالمرأة تحرم على الأبناء بمجرد العقد ومن ذهب الى المجاز الشرعي الوطء فالمرأة لا تحرم على الابن الا اذا وقعت المباشرة الفعلية من الأب، فالتأويل يدخل هنا في الحقيقة والمجاز، وهناك التأويل المقيد كقوله تعالى:
{حرمت عليكم الميتة والدم} الآية، فليس كل ميتة حراما، وليس كل دم حراما، فميتة البحر حل كما بين الحديث - الطهور ماؤه الحل ميتته - والدم مقيد بالدم المسفوح كما ورد في قوله تعالى: {أو دما مسفوحا} الآية، وهذا التقييد دال على مراعاة المرجحات.
وعلم التأويل غير مرفوض ولا ينتهي الى حد ويستلزم علما وحكمة ودراية ولا بد من التوسط في الأخذ به عن بينة وما ترجح باجتهاد فتتضح حججه القريبة دون الوقوع في التأويل الفاسد والابطال.
كقوله تعالى: {فاطعام ستين مسكينا} الآية، يستفاد من الكفارة اطعام ستين مسكينا لكن المشهور عند الحنفية الاجزاء واخراج قيمة ما يطعم ستين مسكينا.
قال ابن دقيق العيد في اطعام ستين مسكينا يدل على وجوب اطعام هذا العدد لأنه أضاف الاطعام الذي هو اطعام الى ستين فلا يكون ذلك موجودا في حق من أطعم عشرين مسكينا ثلاثة أيام مثلا ومن أجاز ذلك فكأنه استنبط من النص معنى يعود عليه بالابطال.