ليس القصد بهذا الكلام تقرير الأخذ بالقول من المذاهب الأخرى إذا انعدم الدليل في المذهب المسلوك فقهيا بمقتضى التراتيب العلمية أخذا بقاعدة " مراعاة الخلاف "، وإنما المقصود أن المتفقه المالكي مراعاته للخلاف كقاعدة في مذهبه خاصة تلزمه من باب أولى الأخذ بالقول الذي قام عليه الدليل الصحيح الصريح مع انعدام الدليل على المسألة في مذهبه، وهذا ما أجملته في قولي:" تؤيده النظرة المذهبية "
وصورة ذلك أنه إذا كان يراعي قول المخالف باعتباره متماسكا من جهة الدليل وله حظ من النظر، فالأولى لزوما الأخذ بالمسألة التي قام عليه الدليل في المذاهب الأخرى إذا انعدم الدليل في مذهبه، مع التنبيه أن مصطلح " انعدام الدليل " هو اصطلاح عرفي فقهي معروف عند أصحاب الصنعة الفقهية وأرباب النظرة الأصولية ذلك أنه لا يعني عدم وجود دليل عندهم وإنما المراد أنه دليل ضعيف لا تقوم به الحجة فهو في حكم الدليل المنعدم فتنبه.
فالطرح إذن لا يعدوا أن يكون إلزاميا، وقد يعترض عليه بأنه يكفي الإلزام بأصل التمسك بالدليل في المذهب دون إلزامه بقاعدة مراعاة الخلاف.
فأقول: لا شك أن الإلزام بأصل التمسك بالدليل في المذهب كافية، لكن الإلزام بقاعدة مراعاة الخلاف هي أقرب في الإلزام بالنسبة للمتعصب المتوجه إليه الكلام في مقالتي فتأمل.
نعم ربما لم أجود الكلام كما ينبغي لإيضاح المقصود، لكنه أمر يعرض في كلام الأكابر فكيف بنا نحن نسأل الله المسامحة.
أما الأمر الثالث أقول: حتى يتضح المراد لا بد أن يلتفت المنتقد إلى أمور مهمة وهي:
أولا: أن الاختصار عند أهل العلم قد يطلق على اختصار كتاب واحد من الكتب التي سبقته
انظر مقدمة مختصر خليل مع شفاء الغليل 1/ 13.
ثانيا:الاختصار عند العلماء يطلق كذلك على جمع نصوص الأمهات في كتاب واحد يمتاز بالإيجاز، فلا يقتصر مؤلفه على اختصار كتاب بعينه، بل ينتقي من كتب المتقدمين فيسلكه في عقد الاختصار، وربما استعاض بالتلميح عن التصريح في ذكر المصادر، وهذا ما يسمى بالمختصرات الجامعة.
المرجع نفسه 1/ 14.
ثالثا: يطلق الاختصار خاصة عند المتقدمين على جمع كل ما وصل إليه المصنف من السماعات والأقوال والروايات الفقهية في عقد الاختصار لحفظها من الضياع والتلف.
ووجه إطلاق مصطلح الاختصار عليها: أن المؤلف اختصر ما سمعه من شيوخه.
انظر الاختصار والمختصرات في المذهب المالكي
ثالثا: وهو مهم أن الاختصار عند أهل الشأن وفي عرف أهل العلم خاصة من تقدم لا ينافي زيادات وترجيحات مع التهذيب من المصنف كما تلقيت ذلك من بعض مشايخنا، وهو واضح للناظر في هذه المختصرات.
تنبيه: الإيجاز في المختصرات نسبي إضافي، أي أن المختصر هو موجز مقابل الأصل، ولذا توجد بعض المختصرات تعد بعشرات الأجزاء والكتب ويكثر هذا خاصة في النوع الثالث.
فبهذا البيان لا يبقى تمت إشكال فيما طرحناه إن شاء الله والحمد لله رب العالمين.
و في الختام: أقول لك أخي عادل أني اطلعت على تعقيب بعض الإخوة في بعض المنتديات على مقال تكلمت فيه على رجحان صلاة تحية المسجد والإمام يخطب في المذهب المالكي، ورأيت هذا التعقيب ضعيف، فانظر ردي عليه إن شاء الله بعنوان " الرد اللطيف على التعقيب والتوصيف ".
واكتفي هنا بقولي أني لم أتفرد بما ذهبت إليه فقد ألف الفقيه عبد الحي بن محمد بن الصديق رسالة قيمة بين فيها على مقتضى قواعد وأصول المالكية أن صلاة تحية المسجد والإمام يخطب هو الراجح في المذهب والرسالة عندي بحمد الله وقد سماها " تبيين المدارك لرجحان سنية تحية المسجد وقت خطبة الجمعة في مذهب مالك "
وتفصيل ذلك وذكر القواعد العلمية والأصولية في خصوصه مع زايادات في " الرد اللطيف .. " فانظره قريبا فما أخرني عن تحريره إلا كثرة المشاغل الدعوية نسأل الله الإخلاص والصدق.
والله المستعان
أبو أويس الإدريسي.
****************************************
ـ[إبراهيم الجزائري]ــــــــ[20 - 01 - 10, 09:41 م]ـ
بارك الله فيكم أخي الفاضل عادل وفي كاتب المقال الفاضل أبا أويس الذي انتقل من مقدمة غير صحيحة لإيضاحه يرحمه الله؛ إذْ نحن في ملتقى أهل الحديثِ المبارك قد نتكلم في المسألة الواحدة في مشاركات كثِيرة ومواضيع متفرقة ويبقى لها تبعات ..... والملاحظات لا تعنيه بالضرورة بل هي مقدمات لمدارسة مثمرة في ملتقى أهل الحديثِ!
تحياتي.
ـ[أبو يوسف المالكي]ــــــــ[28 - 01 - 10, 09:54 ص]ـ
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله.
حيى الله جميعا الإخوة الأفاضل على نقاشاتهم النافعة.
أما كون الموطإ هو عمدة مذهب إمامنا مالك رضي الله عنه ومقدم على المدونة، فخارج على أصول المذهب واصطلاحات أهله، والأئمة عندنا على تقديم المدونة/الأم/الكتاب/المختلطة، لأنها فقه الإمام، ومعلوم أن الراوي قد يروي الحديث ويعمل بخلافه لوجود معارض أو ناسخ أو دخول تخصيص أو تقييد أو غير ذلك.
وقد قيل: (مذهب الإمام البخاري في تراجمه)، لا في أحاديثه في الصحيح.
فالفقه والمذهب هو فهم النص ومدلوله لا النص عينه.
بوركتم.
¥