فهذا الدين الحق والدين الجامع في أعلى مستوياته الطاعة للحق فكيف يتصور أصحاب النظريات والمقولات مشهدا نادرا كهذا: ويتمثل في تلك الأعداد المذهلة تقدر بملايين من البشر يتنظمون لأداء الصلاة في صفوف متراصة خاشعين مبتهلين لله في بيت الله الحرام وذلك يتم في أقل من دقيقة واحدة، فلو لم تكن الطاعة والامتثال للحق فحتى لوجندت كل جنود الأرض ما تحقق ذلك النظام المذهل.
اذن فالبشرية مستعدة بالفطرة لقبول هذا العلم والاستنارة به وتتجلى بذلك الحكمة الالهية المودعة ببساطتها رغم عمقها واضحة للعقول والقلوب.
ولا يوجد تشريع من التشريعات الالهية التي طوق بها الانسان الا جاءت من أجل العناية بل الشفقة عليه واحلال الرأفة والرحمة به ويتضح ذلك من بعث الرسل عليهم السلام في كل عصر وزمان.
فالتكاليف ما هي الا سبب في مصلحة الانسان وسعادته فهي اذن رحمة للانسان الذي كرمه الله تعالى بالعقل ومواهبه.
فالعقل له قيمة عظيمة في الوجود وباصلاح العقول يتم اصلاح الأفراد في المجتمع، ولا يمكن التغافل عن مقدرات العقل المخلوق بعناية ربانية اذا ثم تنميته بكل نافع و ثم صقل مواهبه بالتفقه والتدبر في ملكوت الله تعالى.
والعقل السليم هو الأداة الطيعة للتمكن من العبادة الحقة والخالصة لله تعالى وحمل الأمانة واقامة الخلافة في الأرض، واصلاح عقول الناس وضمائرهم وتهذيب نفوسهم أساس لاصلاح مجتمعهم واستقرار أحوالهم وحياة لقلوبهم.
فالحياة التي يكون فيها نبض الحق قويا يتجلى فيها العقل مباشرة وبطلب الحق يضمحل الباطل وبالاستقامة والبحث عن الصواب يتبدد الخطأ.
فهذا الفيلسوف الألماني سبنجلر - spengler يلفت الانتباه الى تدهور الحضارة الغربية وانحطاطها التام بسبب تعلقها واقتصارها على المحسوسات الجامدة
اذن فالصراع الحتمي من أعظم أنساق الوجود ومن سننه الكونية الهادرة، وبه يعرف الحق حقا والباطل باطلا، والجهاد الحق هو بذل المجهود للمحافظة على الحق والخير وجمال الأفعال والأقوال واقامة العدل، وتعمير الأرض والتعارف بين الأمم والشعوب والتقرب الى الحق بصالح الأعمال والثبات على المبدأ بطهارة شريعته وحقيقة وحيه، فالأكرم عند الله أتقاه، وهذا الدين رحمة الله للعالمين.
وبالاستغراق في نور الله تشرق النفوس وتطمئن القلوب وتأمن من الخوف وتتضح المعالم مسلمة الوجه لرب العالمين، فالعلم بالله تفاؤل مستمر ورجاء دائم وحياة للقلوب وبركات من السماء والأرض.
يقول عز من قائل: (ومن أعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا) الآية
فهذا ما تؤكده الحقائق فالبؤس المعنوي ظاهرة عالمية، والأمانة الملقاة على عاتق الانسان هي تعمير الأرض وتدبير شؤونها والمحافظة على استمرار هذا التوازن بين الأضداد والمتعارضات والمتناقضات وما احتدم الصراع بين الحق والباطل والخير والشر والخطأ والصواب الا ليميز الله به الخبيث من الطيب.
فالاخلال بالأمانة ظلم وجهل وعاقبة وخيمة، يقول تعالى: (وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون) الآية
فالعقل شرطه التكليف وأساسه أداء الأمانة وحمل الرسالة ومعينه الوحي والهداية والقلب السليم والايمان والعلم الرباني حتى يلقى العبد ربه بقلب سليم مؤمنا معافى.
فأبحاث العالم الكندي بنفيلد المتخصص في جراحة الدماغ بينت تجاربه الملموسة بعد أبحاث مضنية أن العقل لا يفسر الدماغ و هو جوهر مستقل عن الدماغ، وأن حقيقته غير مادية، ولقد انطلق هذا العالم في أبحاثه من أسس مادية بحثة فوصل الى هذه النتيجة.
أما أصحاب النظريات الحسية في الغرب فيقولون أن العقل مادي بالذات وهو مادة في ادراكه ووعيه للوقائع كافة، وأقوال هؤلاء بحاجة الى اثباث وبرهان لأنه رغم تطور العلوم بفروعها المختلفة فهي لم تكشف عن حقيقة المادة في أدق جزيئاتها.
وكذلك فهم وادراك حقيقة كنه المادة هو نفسه بحاجة الى اثباث وبرهان عملي ذاتي.
¥