تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والحاصل أن سؤال العالم لا يستغنى عنه، ولكنه لا يسأل عن اجتهاده إلا عند عدم وجود النص الصحيح الصريح، ثم إن اجتهاده غير ملزم في جميع الأحوال؛ سواء كان اجتهاده في فهم النص، أو كان في مسألة لا نص فيها، وما تفرق المسلمون مذاهب وشيع إلا عندما قلدوا أقوال العلماء التي لا تستند إلى دليل شرعي صحيح، ثم ما زال أتباع تلك المذاهب يصنفون في أصول مذهب فلان وفلان حتى صار الحال إلى ما صار إليه من اعتماد على أقوال أولئك الرجال، وطرح النصوص الصحيحة؛ ومعارضتها في أحيان كثيرة بأقوال أئمة المذاهب؛ بل وبأقوال من ليس بإمام ولا مأموم في الصفوف الأول .. !

ومن المعلوم أن الله تعالى قد حذر من العلماء المضلين وتقليدهم؛ بل وتقليد حتى العلماء الطيبين الداعين إلى الخير، قال جل من قائل: (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين .. ). ()

قال القرطبي – رحمه الله تعالى – عند تعداده لفوائد هذه الآية: (ودلت أيضا على منع التقليد لعالم إلا بحجة يبينها؛ لأن الله تعالى أخبر أنه أعطى هذا آياته فانسلخ منها، فوجب أن يخاف مثل هذا على غيره، وأن لا يقبل منه إلا بحجة). ()

فرحم الله تعالى المؤلف على تقييده الاقتداء بالعلماء المتبعين لسنة محمد صلى الله عليه وسلم؛ فكم من عالم متمكن من علوم الشريعة، يمكن أن يسأل عن النوازل فيبينها للإنسان بأدلتها، ولكنه لا يصلح للإقتداء والإتباع.والله تعالى أعلم.

أما الطائفة الثانية: فهي جماعة اتبع أصحابها النصارى في تشريعاتهم، وقلدوهم في نظرتهم المادية لهذا الكون، وتفسيرهم الاقتصادي لعلاقة الإنسان به، فسلموا عنان أفكارهم لهم، وانبهروا بما أنتجته حضارتهم من تقدم تقني، وازدهار اقتصادي؛ فصار همهم وهدفهم الذي يسعون من أجله ليل نهار هو أن يلحقوا دولهم بالنصارى، ويجعلوا مجتمعهم نسخة طبق الأصل من مجتمعات الغرب الكافرة؛ فقالوا بلسان حالهم: إذا كان الغرب متقدما، والمرأة فيه متبرجة؛ فيجب أن تكون كذلك في مجتمعنا حتى نلحق به، وإذا كان نصف المجتمع الغربي من المخنثين؛ فيجب أن نصنع عقارا يقضي على الهرمونات الذكرية في مجتمعنا حتى تكثر عندنا كمية المخنثين .. وهكذا، فهؤلاء في نظري لا يحتاجون إلى تعليق؛ لأن العامي يعلم ضلالهم وجهلهم وتخلفهم العقلي فضلا عن الشرعي.

أما الطائفة الثالثة: فهي جماعة اتبع أصحابها المتصوفين والمشعوذين بحثا عن تنويم مغناطيسي يهربون فيه من واقعهم، وإن كان إلى واقع أسوأ منه.

فهؤلاء لا هم لهم سوى سرد قصص كرامات مشايخهم ومشعوذيهم، وصناعة الغرائب من ذلك، حتى يغيبوا في تلك الترهات والتخرصات؛ فتضيع أعمارهم فيما يسخط الله تعالى، والأدهى من ذلك والأمر أنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، وأنهم بأفعالهم هذه يتقربون إلى الله ..

أما أشياخهم، فإنهم يحذرونهم آناء الليل وأطراف النهار من طلب العلم الشرعي الصحيح، وإن درسوهم أحيانا بعض الكتب الصغيرة، فإنهم يشوهون لهم ما فيها من الحقائق، وما انطوت عليه من أنوار الوحي؛ حتى يظلوا آلة في أيديهم يحركونها كيف شاؤوا ..

ولا شك أن ذلك يدل على أن لهؤلاء المشعوذين قدرا كبيرا من العقل المعيشي؛ فلو وظفتهم الدول كوزراء للاقتصاد لتقدمت اقتصاديات تلك الدول، وارتفع نموها الاقتصادي، وزاد دخل الفرد فيها، كما يزيد دخل الفرد منهم بقدر ما يضلل من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وبقدر ما يحجب عنهم من العلوم الشرعية النافعة ..

إن العلم الشرعي الصحيح هو أخطر سلاح على هؤلاء، وهو السيف الصلت الذي يقطع رقابهم، والفارس الشجاع الذي يهزمهم عند بداية اللقاء ..

ولذلك تراهم يخافون منه ويفرون قبل المواجهة؛ فلو أدخل فرد ما صحيح البخاري إلى وكر من أوكارهم، وبدأ يقرأ باب: الصلاة من الإيمان؛ لرأيتهم يشردون لا يلوون على شيء، ولو فتحت صفحة من كتب شيخ من شيوخ الإسلام المشهود لهم بالفضل كمالك، والشافعي، وأحمد، والأوزاعي، وابن تيمية، وابن عبد البر، وابن أبي زيد القيرواني، وغيرهم، لرأيت لهم عويلا وهروبا في كل اتجاه، ولشاهدتهم يستعملون كل ما عندهم من ذكاء وخبرة في الدهاء والمكر من أجل شبهة يضعونها أمام ما تحويه تلك الصفحة النقية البيضاء، ولكن الله لهم بالمرصاد، ويمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين.

أما الطائفة الرابعة: فهم قوم تعلموا الدين من أصوله الصحيحة، وعملوا بما علموا منه، وترحموا على علماء الأمة، وأحبوهم في الله، ووالوهم فيه، ولم يعمهم حبهم لهم عن أخطائهم في الاجتهادات، كما لم تعمهم أخطاؤهم عن محاسنهم الكثيرة؛ فلم يجعلوهم معصومين، ولم يسووا بين أقوالهم وبين الوحي، وجعلوا الوحي هو الحاكم على كل ذلك، وكلام المعصوم هو الميزان الذي يتضح به الحق من الباطل ..

وحفظ الله الدين بهذه الطائفة على قلتها، وتفرقها في أصقاع الأرض الكثيرة وذلك مصداق قول المعصوم صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتى يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة). ()

فنسأل الله العلي القدير أن يجعلنا ووالدينا ومشايخنا وإخواننا وأحبابنا من هذه الطائفة المنصورة، إنه ولي ذلك والقادر عليه. والله تعالى أعلم وأحكم.)

والله تعالى أعلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير