تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أمرُ الرسول بخلافه".

قال أبو عمر بن عبد البر -رحمه الله-:

"والحجة عند التنازع السنة، فمن أدلى بها فقد أفلح، ومن استعملها فقد نجى، وما توفيقي إلا بالله".

فتبين بهذه النقول أن أقوال العلماء ليست هي الشريعة، وأن نصوص الوحي هي الحجة عند الاختلاف، وأن أقوال العلماء يُستدل لها لا يُستدل بها، فينبغي ألا تنسى هذا الأصل، خاصة في هذه الأزمان التي نجد فيها فوضى علمية خاصة في مجال الدعوة والفتوى، وتجد من يؤصِّل أصولاً بلا أصول، بل تجد من يفتي بلا مبدأ ولا أصل ولا دليل، وإنما المبدأ اتباع الهوى والتشهِّي، وتتبع الرخص والزلات من أقوال العلماء؛ بدعوى التيسير على الناس أو مناسبة الواقع، أو غير ذلك من الدعاوى الباطلة.

فتجد أحدهم على سبيل المثال: يُفتي بوقوع طلاق الحائض على قول جماهير أهل العلم، وهُو هُو يفتي آخَرَ بعدم وقوعه بحسب إرادة المستفتِي، فتصير المرأة حلالاً حرامًا في نفس الوقت! وينسب إلى الشريعة التناقض، ولا تحسب هذا من تغيُّر الاجتهاد؛ فالرجل ليس من أهله، وإنما من تغيُّر الهوى!!

وقديمًا قال العلماء: "من تتبَّع الرخص اجتمع فيه الشر كله وقالوا: "من تتبع زلات العلماء تزندق".

فتخيَّل معي رجلاً يشرب بعض أنواع الخمور على مذهب الأحناف، ويأكل الربا على قول بعض أهل المدينة، ويسمع الموسيقى والغناء على مذهب ابن حزم، فيرتكب الموبقات متتبعًا زلات العلماء!

إن تأصيل هذه الطريقة يؤدِّي إلى الترخُّص والتميُّع والتلاعب بالدين وشعائره، وإنما يلجأ إلى ذلك من قلَّ علمه وورعه، وقلَّت بضاعته من الكتاب والسنة وتحقيق أهل العلم.

وقد كان المُفتون سابقًا قسمين:

- قسم مقلِّد لمذهب معين، لا يرى الخروج عنه، ولا الفتوى بخلافه، ويتمسك به في أصوله وفروعه.

- وقسم أعلى وأشرف من العلماء المحققين الذين يرجِّحون بين أقوال العلماء، ويُفتون بما أيَّده الدليل، ولا شك أن هذا القسم هم أهل الفتوى والعلم؛ لأن العلم: "معرفة الحق بدليله"، والتقليد ليس علمًا.

أما طريقة التلفيق والانتقاء بالهوى والتشهي؛ فهذا طريق فساد وإفساد، ثم إنه يَنسب إلى الدين ما ليس منه، بل ما الدين منه براء من الأقوال الضعيفة والشاذة والمنكرة: كنكاح التحليل والمتعة، وحل أنواع من الخمور والربا، أو أقوال يكذبها العلم الحديث كقول: "إن مدة الحمل لا آخر لها، أو تمتد إلى أربع أو ست سنين"، و"إن الأرض لا تدور"، و"إن الولد قد يكون لأبوين"!!

وهذا المنهج الباطل مما يجعل لأعداء الإسلام على المسلمين سبيلاً، فيطعنون في الدين عن طريق تصيُّد مثل هذه الأقوال، وإثارة الشبهات حول الإسلام، زاعمين أنها من تعاليمه وأحكامه! فنقول: "أقوال العلماء ليست هي الشريعة"، ولذا تجد أهل العلم قديمًا وحديثًا يُنكرون الأقوال التي تخالف الدليل، وهاك أمثلة:

فهذا ابن الزبير -رضي الله عنهما- لما بلغه أن ابن عباس -رضي الله عنهما- يفتي بحل نكاح المتعة؛ يخطب قائلاً: "إن رجلاً أعمى الله بصيرته كما أعمى بصره يُفتي بنكاح المتعة".

والإمام النووي -رحمه الله- يقول عن مذهب أبي حنيفة في وجوب الزكاة في قليل الزرع وكثيره: "مذهب باطل".

وأبطل العلماء قول الأحناف في القصاص بين المسلم والكافر، وقول المالكية في كراهية صوم ست من شوال وعدم خيار المجلس في البيع إلى غير ذلك من الأمثلة، بل إن مِن كبار علماء المذاهب مَنْ يُخالف مذهب إمامه ويرجح خلافه؛ إنصافًًا وإجلالاً للدليل، واتباعًا لإمامه أيضًا في تقديم الدليل على قول كل أحد.

وهذا له مقام آخر إن شاء الله -تعالى-، والله ولي التوفيق.

www.salafvoice.com

مقتبس من موقع صوت السلف

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير