تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قيل: هذا قول لا يخفى فساده على ذي حِجا، من وجوه، لو لم يكن بخلافه لأهل التأويل قول، فكيف والتأويل عمن ذكرنا بخلافه فأما أحد وجوه فَساده، فهو أن قوله: ما كانَ لَهُمُ الخيرَةُ لو كان كما ظنه من ظنه، من أن «ما» بمعنى الجحد، على نحو التأويل الذي ذكرت، كان إنما جحد تعالى ذكره، أن تكون لهم الخِيَرة فيما مضى قبل نزول هذه الآية، فأما فيما يستقبلونه فلهم الخِيَرة، لأن قول القائل: ما كان لك هذا، لا شكّ إنما هو خبر عن أنه لم يكن له ذلك فيما مضى. وقد يجوز أن يكون له فيما يستقبل، وذلك من الكلام لا شكّ خُلْف. لأن ما لم يكن للخلق من ذلك قديما، فليس ذلك لهم أبدا. وبعد، لو أريد ذلك المعنى، لكان الكلام: فليس. وقيل: وربك يخلق ما يشاء ويختار، ليس لهم الخيرة، ليكون نفيا عن أن يكون ذلك لهم فيما قبلُ وفيما بعد.

والثاني: أن كتاب الله أبين البيان، وأوضح الكلام، ومحال أن يوجد فيه شيء غير مفهوم المعنى، وغير جائز في الكلام أن يقال ابتداء: ما كان لفلان الخِيَرة، ولما يتقدم قبل ذلك كلام يقتضي ذلك فكذلك قوله: «ويَخْتارُ، ما كانَ لَهُمُ الخِيَرةُ» ولم يتقدم قبله من الله تعالى ذكره خبر عن أحد، أنه ادّعى أنه كان له الخِيَرة، فيقال له: ما كان لك الخِيَرة، وإنما جرى قبله الخبر عما هو صائر إليه أمر من تاب من شركه، وآمن وعمل صالحا، وأتبع ذلك جلّ ثناؤه الخبر عن سبب إيمان من آمن وعمل صالحا منهم، وأن ذلك إنما هو لاختياره إياه للإيمان، وللسابق من علمه فيه اهتدى. ويزيد ما قلنا من ذلك إبانة قوله: وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ فأخبر أنه يعلم من عباده السرائر والظواهر، ويصطفي لنفسه ويختار لطاعته من قد علم منه السريرة الصالحة، والعلانية الرضية.

والثالث: أن معنى الخيرة في هذا الموضع: إنما هو الخيرة، وهو الشيء الذي يختار من البهائم والأنعام والرجال والنساء، يقال منه: أُعطي الخيرة والخِيرَة، مثل وذلك ما لا يخفى خطؤه، لأن لخيارها ولشرارها أربابا يملكونها بتمليك الله إياهم ذلك، وفي كون ذلك كذلك فساد توجيه ذلك إلى معنى المصدر.

وقوله سبحانه وتعالى: عَمَّا يُشْرِكُونَ يقول تعالى ذكره تنزيها لله وتبرئة له، وعلوّا عما أضاف إليه المشركون من الشرك، وما تخرّصوه من الكذب والباطل عليه. وتأويل الكلام: سبحان الله وتعالى عن شركهم. وقد كان بعض أهل العربية يوجهه إلى أنه بمعنى: وتعالى عن الذي يشركون به)

وفي تفسير القرطبي

(قوله تعالى: "ما كان لهم الخيرة" أي ليس يرسل من اختاروه هم قال أبو إسحاق: "ويختار" هذا الوقف التام المختار ويجوز أن تكون "ما" في موضع نصب بـ"يختار" ويكون المعنى ويختار الذي كان لهم فيه الخيرة قال القشيري: الصحيح الأول لإطباقهم على الوقف على قوله "ويختار" قال المهدوي: وهو أشبه بمذهب أهل السنة و"ما" من قوله: "ما كان لهم الخيرة" نفي عام لجميع الأشياء أن يكون للعبد فيها شيء سوى اكتسابه بقدرة الله عز وجل. الزمخشري: "ما كان لهم الخيرة "بيان لقوله: "ويختار" لأن معناه يختار ما يشاء، ولهذا لم يدخل العاطف، والمعني، وإن الخيرة الله تعالى في أفعاله وهو أعلم بوجوده الحكمة فيها أي ليس لأحد من خلقه أن يختار عليه وأجاز الزجاج وغيره أن تكون "ما" منضى منصوبة بـ"يختار" وأنكر الطبري أن تكون "ما" نافيه، لئلا يكون المعنى إنهم لم تكن لهم الخيرة فيما مضى وهي لهم فيما يستقبل، ولأنه لم يتقدم كلام بنفي قال المهدي: ولا يلزم ذلك؛ لأن "ما" تنفي الحال والاستقبال كليس ولذلك عملت عملها، ولأن الآي كانت تنزل على النبي صلى الله عليه وسلم على ما يسأل عنه، وعلى ما هم مصرون عليه من الأعمال وإن لم يكن ذلك في النص وتقدير الآية عند الطبري: ويختار من خلقه، لأن المشركين كانوا يختارون خيار أموالهم فيجعلونها لآلهتهم، فقال الله تبارك وتعالى: "وربك يخلق ما يشاء ويختار" للهداية ومن خلقه من سبقت له السعادة في علمه، كما اختار المشركون خيار أموالهم لآلهتهم فـ"ما" على هذا لمن يعقل وهي بمعنى الذي "والخيرة" رفع بالابتداء "ولهم" الخبر والجملة خبر "كان" وشبهه بقولك: كان زيد أبوه منطلق وفيه ضعف، إذا ليس في الكلام عائد يعود على اسم كان إلا أن يقدر فيه حذف فيجوز على بعد وقد روي معنى ما قاله الطبري عن ابن عباس قال الثعلبي: "ما" نفي أي ليس لهم الاختيار على الله وهذا أصوب كقوله تعالي: "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم" [الأحزاب: 36] قال محمود الوراق:

توكل على الرحمن في كل حاجةٍ أردت فإن الله يقضي ويقدِر

إذا ما يرد ذو العرش أمرا بعبده يصبه وما للعبد ما يتخير

وقد يهلك الإنسان ومن وجه حذره وينجو بحمد الله من حيث يحذر

وقال آخر:

العبد ذو ضجر والرب ذو قدر والدهر ذو دول والرزق مقسوم

والخير أجمع فيما اختار خالقنا وفي اختيار سواه اللوم والشوم)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير