[آية و فوائد]
ـ[توبة]ــــــــ[11 - 06 - 08, 09:10 م]ـ
قوله تعالى: {قال هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين}.
في أحكام القرآن لابن العربي:
فيها أربع مسائل:
المسألة الأولى:
قال علماؤنا: ليست هذه الشهادة من شهادات الأحكام التي تفيد الإعلام عند الحكام , ويتفرد بعلمها الشاهد فيطلع عليها الحاكم , وإنما هي بمعنى أخبر عن علم ما كان عنه القوم غافلين ; وذلك أن القميص جرت العادة فيه أنه إذا جذب من خلفه تمزق من تلك الجهة , وإذا جذب من قدام تمزق من تلك الجهة , ولا يجذب القميص من خلف اللابس إلا إذا كان مدبرا , وهذا في الأغلب , وإلا فقد يتمزق [القميص بالقلب من ذلك] إذا كان الموضع ضعيفا.
المسألة الثانية:
يتكلم الناس في هذا الشاهد من أربعة أوجه: الأول: الشاهد هو القميص.
الثاني: أنه كان ابن عمها.
الثالث: أنه كان من أصحاب العزيز.
الرابع: أنه كان صبيا في المهد.
فأما إذا قلنا إنه القميص فكان يصح من جهة اللغة أن يخبر عن حاله بتقدير مقاله ; فإن لسان الحال أبلغ من لسان المقال في بعض الأمور , وقد تضيف العرب الكلام إلى الجمادات بما تخبر عنه بما عليها من الصفات , ومن أجلاه قول بعضهم: قال [ص: 49] الحائط للوتد: لم تشقني. قال: سل من يدقني , ما تركني ورأيي هذا الذي ورائي , ولكن قوله بعد ذلك: {من أهلها} في صفة الشاهد يبطل أن يكون القميص.
وأما من قال: إنه ابن عمها أو رجل آخر من أصحاب العزيز , فإنه محتمل ; لكن قوله: {من أهلها} يعطي اختصاصا من جهة القرابة.
وأما من قال: إنه كان صغيرا فهو الذي يروى عن ابن عباس ( http://www.islamweb.net/ver2/library/showalam.php?ids=11) وأنه قد تكلم في المهد أربعة: " عيسى ابن مريم , وابن ماشطة فرعون , وشاهد يوسف , وصاحب جريج , " ونقصهم اثنان: أحدهما: وهو الذي {ذكر النبي في قصة أصحاب الأخدود أنهم لما حفرت لهم الأرض , ورمي فيها بالحطب وأوقدت النار عليها , وعرض عليهم أن يقعوا فيها أو يكفروا الحديث بطوله. فوقفت امرأة منهم , وكان في ذراعها صبي فقال لها: يا أمه , إنك على الحق.} وهذا حديث صحيح خرجه مسلم ( http://www.islamweb.net/ver2/library/showalam.php?ids=17080).
والثاني: ما روي أن امرأة كانت ترضع صبيا في حجرها , فمر بها رجل له شارة وحوله حفدة , فقالت: اللهم اجعل ابني مثل هذا , فترك الصبي الثدي , وقال: اللهم لا تجعلني مثله , ومر بامرأة وهم يضربونها ويقولون: سرقت ولم تسرق وزنيت ولم تزن. فقالت: اللهم لا تجعل ابني مثلها , فترك الصبي الثدي , وقال: اللهم اجعلني مثلها.
وأوحى إلى نبي ذلك الزمان أن الأول لا خير فيه , وأن هذه يقولون فعلت وهي لم تفعل. هذا معنى الحديث.
فالذي صح فيمن تكلم في المهد أربعة: صاحب الأخدود , وصاحب جريج [ص: 50] وعيسى ابن مريم , وهذا الصبي الذي تكلم في حجر المرأة بالرد على أمه فيما اختارته وكرهه.
المسألة الثالثة:
قال بعض [العلماء] المفسرين: لو كان هذا المشاهد طفلا لكان في كلامه في المهد وشهادته آية ليوسف , ولم يحتج إلى ثوب ولا إلى غيره. وهذا ضعيف فإنه يحتمل أن يكون الصبي يتكلم في المهد منبها لهم على هذا الدليل الذي كانوا عنه غافلين , وكانت آية , كما قال: تبينت بها براءة يوسف من الوجهين: من جهة نطق الصبي , ومن جهة ذكر الدليل.
المسألة الرابعة:
قال علماؤنا: في هذا دليل على العمل بالعرف والعادة لما ذكر من أخذ القميص مقبلا ومدبرا , وما دل عليه الإقبال من دعواها , والإدبار من صدق يوسف ; وهذا أمر تفرد به المالكية كما بيناه في كتبنا.
فإن قيل: هذا شرع من قبلنا. قلنا: عنه جوابان.
: أحدهما: أن شرع من قبلنا شرع لنا. وقد بيناه في غير موضع.
الثاني: أن المصالح والعادات لا تختلف فيها الشرائع. أما أنه يجوز أن يختلف وجود المصالح فيكون في وقت دون وقت , فإذا وجدت فلا بد من اعتبارها. وقد استدل يعقوب بالعلامة , فروى العلماء أن الإخوة لما ادعوا أكل الذئب [له] قال: أروني القميص. فلما رآه سليما قال: لقد كان هذا الذئب حليما. وهكذا فاطردت العادة والعلامة , وليس هذا بمناقض لقوله [عليه السلام] {البينة على المدعي [ص: 51] واليمين على من أنكر ( http://www.islamweb.net/ver2/library/BooksCategory.php?bk_no=46&ID=1435&idfrom=1444&idto=1445&bookid=46&start=1#)} . والبينة إنما هي البيان , ودرجات البيان تختلف بعلامة تارة , وبأمارة أخرى ; وبشاهد أيضا , وبشاهدين ثم بأربع.
ـ[أبو علي الطيبي]ــــــــ[12 - 06 - 08, 12:06 ص]ـ
بارك الله فيك وجزاك خيرا على هذه الفوائد "الأندلسية" الجليلة .. رحم الله أبا بكر
¥