وجاء فيه "والمكحل والمكحال كمنبر ومفتاح الملمول الذي يكتحل به. كذا في الصحاح. وفي المحكم الآلة التي يكتحل بها. وفي التهذيب الميل يكحل به العين من المكحلة.
قال الشاعر:
إذا الفتى لم يركب الأهوالا
وخالف الأعمام والأخوالا
فأعطه المرآة والمكحالا
واسعَ له وعدّه عيالا
وورد فيه: "والكحيل كزبير النفط يطلى به الإبل للجرب. وهو مبني على التصغير. لا يستعمل إلا هكذا. نقله الجوهري عن الأصمعي أو هو القطران يطلى به الإبل. ورده الأصمعي فقال: القطران إنما يطلى به للدَّبَر والقردان (12) وأشباه ذلك، وإنما هو النفط. وأنشد الصاغاني لعنترة بن شداد:
وكأن رُبَّاً أو كحيلاً مُعقداً
حشّ الوقودُ به جوانب قُمقُمِ
وقال غيره: مثل الكحيل أو عقيد الرُبِّ
قال علي بن حمزة: هذا من مشهور غلط الأصمعي، لأن النفط لا يطلى به الجرب وإنما يطلى بالقطران. وليس القطران مخصوصاً بالدبر والقردان كما ذكر ويفسد ذلك قول القطران الشاعر:
أنا القطران والشعراء جربى
وفي القطران للجربى شفاء
وكذلك قول القُلاَّخ المِنقري:
"إني أنا القطران أشفي ذا الجرب".
وفي الأساس: "ومن المجاز هو أسود كالكحيل المعقد وهو القطران شبه بالكحل في سواده".
وفي رأينا أن الكحيل هو أقرب ما يكون من المازوت كما ذكر صاحب متن اللغة حتى إنه يمكن إطلاقه عليه إذا أريدت ترجمته بدلاً من تعريبه أي من إدخاله اللغة العربية وإخضاعه لقواعدها في أحد معاني لفظ التعريب.
ولكن لفظ المازوت نفسه من أصل عربي دخل اللغة الروسية ومنها دخل بعض اللغات الحديثة كالفرنسية (انظر معجم Lexis الفرنسي ونظن أن أصله العربي آت من الزيت وربما كان من اسم المفعول أي المزيوت نسبة إلى التراب المزيوت أو المزيت الذي كانوا يصادفونه في أذربيجان).
وقد استطردنا هذا الاستطراد الواسع لفائدته اللغوية ولبيان أنا لا نجد في كتب اللغة ومعجماتها من فائدة في تفسير ما نحن بصدده، لأن الغربيين نقلوا أكثر المعلومات عن كتب العلم العربية وإن كانت لم تخلُ ترجماتهم إلى اللاتينية حتى كتب النحو والأمثال والأدب والدين والتصوف زيادة على الفلسفة والعلم.
لذلك من المناسب أن نبحث في كتب الكيمياء والصيدلة إلى جانب المعجمات اللغوية نجد مثلاً في كتاب "منهاج الدكان ودستور الأعيان" الباب الثاني عشر في الأكحال.
يذكر المؤلف فيه أصنافاً متعددة منها. وفي آخر وصف كل كحل مركب من العقاقير والعناصر المعدنية والنباتية ما نصه أنه "يدق الجميع وينخل ويخلط ويعاد إلى السحق إلى أن يعود في حد الغبار ويكتحل به" أو "يدق الجميع ناعماً ويتخذ ذروراً" ويبلغ عدد الأكحال في منهاج الدكان نحو ثمانية وأربعين كحلاً. هذا عدا الشيافات وهي الأدوية التي تعالج بها العيون. وقسم منها يسحق وإن لم يكن بمثل تلك النعومة.
من كل ما سلف نستخلص أن لفظ الكحل تدرج من الدلالة على مادة هي الاثمد تسحق لتكحل بها العيون لتتشبه بالعيون الدعج العربية الكحيلة خلقة وهي من أبدع ما خلق الله. وقد حاول أن يوحي بسحرها أبو حرزة حين قال:
إن العيون التي في طرفها حور
قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به
وهن أضعف خلق الله إنسانا
وعلي بن الجهم الذي فتنته العيون البغداديات فأنشد:
عيون المها بين الرصافة والجسر
جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
كما حاول آخرون أن يشبهوها بعيون البقر الوحشية وعيون الظباء وشتان ما بينها وبينها.
ثم تدرج لفظ الكحل بحسب تنوع تركيبه للدلالة على كل ذرور يجمل العين ويكحلها.
ولما نقل الغربيون فيما نقلوه هذا اللفظ نقلوا تدرجه معه فأصبح يطلق على كل ذرور دقيق ناعم جداً ثم انتقل إلى ما هو سائل صاف مستخلص كالروح.
¥