وسليمان بن داود الطيالسي كان من كبار الحفاظ، قال عمر بن شبة: كتبوا عن أبي داود أربعين ألف حديث وليس معه كتاب.
سفيان الثوري رحمه الله:
وسفيان الثوري رحمه الله قبل ذلك من أشد الناس حافظة، قال: ما استودعت أذني شيئاً قط إلا حفظته، حتى أمر بكذا، فأسد أذني مخافة أن أحفظها، وفي رواية: أمر بالحائك يغني فأسد أذني. لأنها لو دخلت لما خرجت.
الشعبي رحمه الله:
والشعبي كذلك رحمه الله تعالى، قال ابن شبرمة: سمعت الشعبي يقول: ما كتبت سوداء في بيضاء إلى يومي هذا، وما حدثني رجل بحديث قط إلا حفظته، ولا أحببت أن يعيده عليّ، ولقد نسيت من العلم ما لو حفظه أحد لكان به عالماً. أي: رغم هذا الحفظ الأشياء المنسية لو أن أحداً آخر حفظها لأصبح عالماً. وعن الشعبي قال: لا أروي شيئاً أقل من الشعر -أقل محفوظاتي شعر- ولو شئت لأنشدتكم شهراً لا أعيد. هذا أقل المحفوظات، لو جلس يسرده شهراً فإنه يأخذ وقتاً كثيراً بدون أي بيت معاد.
عبد الله بن أبي داود السجستاني رحمه الله:
وأما عبد الله بن أبي داود السجستاني، عبد الله بن سليمان بن الأشعث بن أبي داود رحمه الله تعالى، قال إبراهيم بن شاذان: خرج أبو بكر بن أبي داود إلى سجستان -هذا الولد- فاجتمع إليه أصحاب الحديث، وسألو أن يحدثهم فأبى، وقال: ليس معي كتاب، فقالوا له: ابن أبي داود وكتاب؟!! قال: فأثاروني فأمليت عليهم ثلاثين ألف حديث من حفظي، فلما قدمت بغداد، قال البغداديون: مضى فلعب بالناس -نتحقق- فكتبوا كل ما قيل، وجاءوا بها إلى بغداد، وعرضت على الحفاظ، فخطئوني في ستة أحاديث، منها ثلاثة حدثت بها كما حُدثت -أي: حفظتها أصلاً خطأ- وثلاثة أحاديث أخطأت فيها. من كم؟ من ثلاثين ألف حديث، هذا الابن فما بالك بأبي داود رحمه الله؟!
أبو زرعة رحمه الله:
وأما أبو زرعة الرازي، قال أبو زرعة: في بيتي ما كتبته منذ خمسين سنة ولم أطالعه منذ كتبته، وإني أعلم في أي كتاب هو، وفي أي ورقة هو، وفي أي صفحة، وفي أي سطر هو، وما سمعت أذني شيئاً من العلم إلا وعاه قلبي، فإني كنت أمشي في سوق بغداد فأسمع من عزف المغنيات، فأضع إصبعي في أذني مخافة أن يعيه قلبي. وسُئل أبو زرعة الرازي عن رجل حلف بالطلاق أن أبا زرعة الرازي يحفظ مائتي ألف حديث، هل حنث؟ فقال: لا. وقال أبو زرعة الرازي: أحفظ مائتي ألف حديث كما يحفظ الإنسان (قل هو الله أحد) وفي المذاكرة ثلاثمائة ألف حديث.
أبو عبد الله الختلي رحمه الله:
وأبو عبد الله الختلي دخل وليس معه شيء من كتبه، فحدث شهوراً إلى أن لحقته كتبه، أي: جاء إلى بلد مسافراً ولم تصل كتبه بعد، الكتب في الشحن، فحدث، قال: حدثت بخمسين ألف حديث من حفظي، إلى أن لحقتني كتبي.
الحافظ الدارقطني رحمه الله:
وأما الحافظ الدارقطني رحمه الله، فإنه من صغره كان مشهوراً بالحفظ، حضر في حداثة سنه مجلس إسماعيل الصفار، فجعل ينسخ جزءاً معه وإسماعيل يُملي، الدارقطني يكتب و هو صغير، فقال له أحد الحاضرين: لا يصح سماعك وأنت تنسخ، إذا أرادت أن تكون صحيح السماع، فلابد أن تسمع وتتفرغ للسماع، ولا يصلح أن تنشغل بالكتابة، فقال الدارقطني: فهمي للإملاء غير فهمك، ثم قال: أتحفظ كم أملى الشيخ من حديث إلى الآن؟ فقال: لا، فقال: أملى ثمانية عشر حديثاً فعد، قال: فعددت الأحاديث فكانت كما قال، قال: الحديث الأول عن فلان عن فلان ومتنه كذا، والحديث الثاني عن فلان عن فلان ومتنه كذا، فلم يزل يذكر أسانيد الأحاديث ومتونها على ترتيبها في الإملاء، حتى أتى على آخرها فتعجب الناس منه. أي: وهو يكتب عن الشيخ يحفظ! والآن كثير من الناس يكتبون، لكن إما كتابة أو حفظاً، لا يستطيع أن يجمع بين الأمرين.
الجعابي رحمه الله:
والجعابي رحمه الله دخل الرقة وكان له قنطاران من الكتب، فأنفذ غلامه ليأتي بالكتب فضاعت، فرجع الغلام مغموماً، قال: ضاعت الكتب، فقال: يا بني! لا تغتم، فإن فيها مائتي ألف حديث لا يُشكل عليّ منها حديث، لا إسناداً ولا متناً. فسواء ضاعت الكتب أو ما ضاعت. هذا حال طائفة من جهابذة هذه الأمة وحفاظها، فأين لهؤلاء الكفرة والذين يدعون الحضارة والعلم مثل هؤلاء؟! وختاماً نسأل الله سبحانه وتعالى أن يلهمنا رشدنا.
ـ[أبومحمد والبراء]ــــــــ[14 - 06 - 08, 10:30 م]ـ
(طالب العلم والحفظ)
¥