تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وحفظ بعض كتاب الله أيضاً له ميزات، فنحن نعلم حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عُصم من فتنة الدجال)، وقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يحفظون هذا الكتاب، كما كان الله عز وجل قد يسر لنبيه حفظه: إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ [القيامة:17 - 18].وكان جبريل يراجع حفظ النبي عليه الصلاة والسلام كل سنة مرة، وفي السنة التي تُوفي فيها صلى الله عليه وسلم راجع معه الحفظ مرتين. وأما سنة النبي عليه الصلاة والسلام، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد ندب لحفظها، ومن أمثلة ذلك ما أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه في كتاب العلم: باب تحريض النبي صلى الله عليه وسلم وفد عبد القيس على أن يحفظوا الإيمان والعلم ويخبروا من وراءهم. ولذلك جاء في الحديث أنه علمهم شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وأن يُعطوا من المغنم الخُمس، ونهاهم عن أربع: عن الحنتم، والدباء، والنقير، والمزفت، وهي بعض الأواني التي إذا وضع فيها الشراب صار مسكراً، وربما قال: الموقير، وقال -وهذا هو الشاهد-: (احفظوهن وأخبروا بهن من وراءكم). أما الحفظ فقد سأل مهنا رحمه الله أحمد: ما الحفظ؟ قال: الإتقان هو الحفظ، وقال عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله: الحفظ الإتقان. وسنبين إن شاء الله في هذا الدرس أموراً تتعلق بالحفظ نظراً لأهميته في طلب العلم، وطالب علم بغير حفظ لا يساوي شيئاً، ولعلنا نتكلم بإذن الله عن أهمية الحفظ بالنسبة للكتابة، وكذلك بعض الطرق والوسائل في الحفظ، والأمور المعينة على الحفظ، وأوقات الحفظ، وأماكن الحفظ، وذكر بعض سير الحفاظ فيما يتعلق بالحفظ، ونورد بعض الفوائد من النظريات الحديثة المتعلقة بالحفظ والذاكرة والنسيان.

أهمية الحفظ في طلب العلم:

ينبغي لطالب العلم أن يكون جُل همته مصروفاً إلى الحفظ والإعادة، فلو صح صرف الزمان إلى ذلك كان الأولى، أهم شيء لطالب العلم أن يحفظ، غير أن البدن مطية، وإجهاد السير مظنة الانقطاع، وكان الخليل بن أحمد رحمه الله يقول مبيناً أهمية الحفظ لطالب العلم: الاحتفاظ بما في صدرك أولى من حفظ ما في كتابك، واجعل كتابك رأس مالك، وما في صدرك للنفقة. وقال عبد الرزاق رحمه الله: كل علم لا يدخل مع صاحبه الحمام فلا تعده علماً. لأن الصفحات والكتب التي فيها ذكر الله لا يُمكن أن تدخل الحمام، لكن الحفظ الذي يكون في صدر الحافظ يذهب معه في كل مكان. وقال هبة الله البغدادي:

علمي معي أينما همت يتبعني بطني وعاء له لا بطن صندوق

إن كنت في البيت كان العلم فيه معي أو كنت في السوق كان العلم في السوق

وقال عبيد الله الصيرفي:

ليس بعلم ما حوى القمطر ما العلم إلا ما حواه الصدر

وقال ابن شديد الأزدي:

أأشهد بالجهل في مجلس وعلمي في البيت مستودع

إذا لم تكن حافظاً واعياً فجمعك للكتب لا ينفع

فبعض الناس يكثرون من شراء الكتب، وترى كثيراً من الشباب إذا صارت الفرصة في معارض الكتاب اشتروا الكتب، وهذا أمر مهم لا يمكن التزهيد فيه؛ أن يحوي المراجع عنده، ويشتري من الأمهات والكتب المهمة والرسائل النافعة ما يعينه على الطلب والبحث، ولكن الأهم من هذا كله هو الحفظ. وبعض الأغبياء يهونون من أمر الحفظ، فإذا رأوا شخصاً حفظ صحيح البخاري مثلاً، قالوا: وماذا استفادت الأمة لما زادت نسخه من صحيح البخاري؟ فهؤلاء ما علموا أهمية الحفظ ولا علموا فائدته. الحفظ: هو الذي يجعل العلم في صدرك فتستفيد منه، فإذا احتجت إليه كان معك؛ في تعليم، وفي دعوة، وفي نصيحة وفي فتوى، حتى في تحضير الدروس، وعدد من العلماء الكبار لا يحضرون الدروس؛ لأن العلم في صدورهم محفوظ، ومن العلماء المعاصرين الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله، لم يكن يحضر دروسه مطلقاً؛ لأن العلم في صدره مستودع، ومتى احتاجه وجده، فلو كان في سفر ليس معه مكتبته ولا مراجع فعنده العلم في صدره.

الأمور المساعدة على الحفظ:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير