تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن القواعد المهمة في الحفظ: المداومة ولو على القليل، ولعل من الحكمة في نزول القرآن منجماً ومفرقاً، ولم ينزل جملة واحدة أنه أَثبتُ في الحفظ، فحفظ النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله عز وجل: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً [الفرقان:32] وكانت طريقة الصحابة رضي الله عنهم أخذ عشر آيات يحفظونها ويفقهونها ويعملون بها، ثم يأخذون العشر التي تليها وهكذا، وتعلم ابن عمر سورة البقرة في ثمان سنين وقيل غير لك. قال حماد بن أبي سليمان لتلميذ له: تعلم كل يوم ثلاث مسائل ولا تزد عليها. وكان أحمد بن الفرات لا يترك كل يوم إذ أصبح أن يحفظ شيئاً وإن قلّ. فإذاً: لابد من المداومة على الحفظ؛ لأن بعض الناس قد يحفظ أياماً ويترك أسابيع لا يحفظ فيها، وهذه الذاكرة كلما استمر المران كلما ازدادت قابليتها للحفظ أكثر، وإذا تركتها انكمشت، ولذلك فإن المداومة مهمة، والمداومة المداومة على الأعمال الصالحة أصل من أصول الشريعة، كما جاء في حديثه صلى الله عليه وسلم: (أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل). وإذا كان ما جمعته من العلم قليلاً، وكان حفظك له ثابتاً كثرت المنفعة به ولو كان قليلاً، ولو قرأت أشياء كثيرة جداً، أنهيت كتباً، لكن ما قرأت غير محفوظ لديك قلّت المنفعة، مهما كانت قراءتك واسعة، إذا كانت هذه القراءة غير محفوظة قلّت المنفعة، ولو كان الشيء الذي اطلعت عليه قليلاً، لكنه محفوظ متقن، فإن المنفعة كبيرة.

إخلاص النية:

ولاشك أن من أكبر الأسباب المعينة على الحفظ وينبغي البدء به، ولكن حتى لا نكون في شيء من التكرار الذي يقلل أهمية هذا الأمر أحياناً فنقوله الآن: وهو النية في الحفظ، ما هي النية؟ هل هي للمباهاة؟ هل هي لمناقشة العلماء وإظهار العلم، أو لمماراة السفهاء؟ أو لتصرف وجوه الناس إليك؟ إن كانت هذه هي النية فالنار النار، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وكلما كان الإنسان أخلص لله كان حفظه أفضل وأشد بركة، قال ابن عباس: [إنما يحفظ الرجل على قدر نيته].

الصلاح وترك المحرمات:

ومن الأمور المهمة في الحفظ: الصلاح وترك المحرمات، سأل رجل مالك بن أنس رحمه الله: يا أبا عبد الله! هل يصلح لهذا الحفظ شيء؟ قال: إن كان يصلح له شيء فترك المعاصي، وهذا معنى الأبيات التي تنسب إلى الشافعي رحمه الله:

شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي

وقال اعلم بأن العلم فضل وفضل الله لا يؤتاه عاصي

ولهذين البيتين ألفاظ كثيرة، فالمعاصي كما ذكر ابن القيم رحمه الله تُذهب العلم وتُنسي المحفوظات؛ لأن المعصية لها شُؤم، وشُؤم المعصية ينعكس على العلم المحفوظ، وعدد من الناس حفظوا كتاب الله ثم نسوه، من أسباب نسيانهم لآيات كثيرة من كتاب الله المعصية، فلما طال عليهم الأمد قست قلوبهم، ولما قست القلوب ذهبت الأشياء المحفوظة، وضيع اليهود والنصارى كتاب الله بالمعاصي، وقد وكل حفظه إليهم: بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ [المائدة:44] فضاع، وكان من عقاب الله لهم: ضياع هذه الكتب منهم بسبب معاصيهم، وقد ذكر الله هذا في كتابه. ولذلك كلما كان الطالب أتقى لله كان حفظه أحسن، وقد يوجد نماذج من العصاة يحفظون، ولكن حفظهم لا بركة فيه، وقد يكون حفظهم من باب الاستدراج لهم، ولا تجد فيه نفعاً، لكن أهل التقى حفظهم نافع ومبارك.

فعل الطاعات:

ومن أسباب الحفظ: الطاعات؛ صلاة الليل وقراءة القرآن من أسباب الحفظ، حتى قال بعض العلماء: ليس شيء أزيد للحفظ من قراءة القرآن نظراً، وقد جاء في الحديث الحسن: (من سره أن يحب الله ورسوله فليقرأ في المصحف) فالقراءة في المصحف نظراً وغيباً وتدبراً من الأشياء المعينة على الحفظ. ولاحظ أن الحافظ لكتاب الله يسهل عليه حفظ ما بعده، حفظ القرآن يُسهِّل ويُذلِّل الصعوبات في الحفظ، لأن الإنسان إذا جمع القرآن وتذلل لسانه بهذه الآيات، والله ييسر هذا الأمر: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر:17] فإن حفظ ما بعد القرآن يسهل بسبب حفظ القرآن.

التقلل من الدنيا:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير