تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهذا أمر قد وجدناه مطردًا في عامة ما يحتج به نفاة الصفات منالآيات، فإنما تدل على نقيض مطلوبهم، لا على مطلوبهم.

/ الوجه الثامن: أنه إذا كان كل جسم جسدًا، وكل ما عبد من دوناللّه ـ تعالى ـ من الشمس والقمر، والكواكب والأوثان وغير ذلك، أجسامًا، وهي أجساد، فإن كان اللّه ذكر هذا في العجل لينفي به عنه الإلهية، لزم أن يطرد هذا الدليل فيجميع المعبودات.

ومعلوم أن اللّه لم يذكر هذا في غير العجل. إنه ذكر كونه جسدًالبيان سبب افتتانهم به، لا أنه جعل ذلك هو الحجة عليهم، بل احتج عليهم بكونه لايكلمهم ولا يهديهم سبيلًا.

الوجه التاسع: أنه ـ سبحانه ـ قال في الأعراف: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} [الأعراف: 195] وللناس في هذه الآية قولان:

أحدهما: أنه وصفهم بهذه النقائص ليبين أن العابد أكمل منالمعبود.

الثاني: أنه ذكر ذلك لأن المعبود يجب أن يكون موصوفًا بنقيض هذهالصفات، فإن قيل بالقول الأول، أمكن أن يقال بمثله في آية العجل، فلا يكون فيه تعرضلصفات الإله. وإن قيل بالثاني، وجب أن يتصف الرب ـ تعالى ـ بما نفاه عنالأصنام.

وحينئذ، فإن كانت هذه الأمور أجسامًا كانت هذه الدلالة معارضة / لماذكر في تلك الآية، وإن لم تكن أجسامًا بطل نفيهم لها عن اللّه ـ تعالى ـ ووجب أنيوصف اللّه ـ عز وجل ـ بما جاء به الكتاب والسنة، من الأيدي وغيرها، ولا يجب أنتكون أجسامًا، ولا يكون ذلك تجسيمًا، وإذا لم يكن هذا تجسيمًا فإثبات العلو أولىألا يكون تجسيمًا. فدل على أنه لا يكون تجسيما، فدل على أن الشرع مناقض لماذكروه.

الوجه العاشر: أن يقال: دلالة الكتاب والسنة على إثبات صفاتالكمال، وأنه نفسه فوق العرش أعظم من أن تحصر، كقوله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُالْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10]، وقوله: {بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ} [النساء: 158]، وقوله: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج: 4]، وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ} [الأعراف: 206].

وقد قيل: إن ذلك يبلغ ثلاثمائة آية، وهي دلائل جلية بينة، مفهومةمن القرآن، معقولة من كلام اللّه ـ تعالى.

فإن كان إثبات هذا يستلزم أن يكون اللّه جسمًا، وجسدًا، لم يمكن دفع موجب هذه النصوص بما ذكر في قصة العجل؛ لأنه ليس فيها أن مجرد كونه جسدًا هو النقصـ الذي عابه اللّه وجعله مانعًا من إلهيته ـ وإن كان إثبات العلو والصفات لا يستلزمأن يكون جسمًا وجسدًا بطل أصل كلامهم، في ـ أن عمدتهم ـ أن إثبات العلو يقتضي التجسيم والتجسد، فإذا سلموا أنه لا يستلزم التجسيم والتجسد، لم يكن لهم دليل علىنفي ذلك.

/ وحينئذ، فإذا دلت قصة العجل أوغيرها على امتناع كون الرب ـ تعالىـ جسدًا أو جسمًا، لم يكن بين النصوص منافاة، بل يوصف بأنه نفسه فوق العرش، وينفيعنه ما يجب نفيه عنه ـ سبحانه ـ وتعالى.

والمقصود أن الشرع ليس فيه ما يوافق النفاة للعلو وغيره من الصفات بوجه من الوجوه.

واللّه ـ سبحانه وتعالى ـ أعلم

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير