تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لم تتغلب لغات الشمال على لغات الجنوب فحسب، وإنما استطاعت كذلك أن تبرأ مما جنته عليها الأمية الهمجية والبداوة من اضطراب المنطق واختلاف الدلالة وتعدد الوضع، فتغلبت منها لغة قريش على سائر اللغات لأسباب دينية واقتصاية واجتماعية أهمها:

1 - الأسواق: وكان العرب يقيمونها في أشهر السنة للبياعات والتَسوُق وينتقلون من بعضها إلى بعض، فتدعوهم طبيعة الاجتماع إلى المقارضة بالقول، والمفاوضة في الرأي، والمبادهة بالشعر، والمباهاة بالفصاحة، والمفاخرة بالمحامد وشرف الأصل فكان من ذلك للعرب معونة على توحيد السان والعادة والدين والخلق، إذ كان الشاعر أو الخطيب إنما يتوخى الألفاظ العامة والأساليب الشائعة قصداً إلى إفهام سامعيهن وطمعاً في تكثير مشايعيه. والرواة من ورائه يطيرون شعره هم القبائل وينشرونه في الأنحاء فتنتشر معه لهجته وطريقته وفكرته.

وأشهر هذه الأسواق عكاظ ومجنة وذو المجاز. وأولاهن أشهر هذه فضلاً وأقوى أثراً في تهذيب العربية. كانت تقوم هلال ذي القعدة وتستمر إلى العشرين منه، فتفد إليها زعماء العرب وأمراء القول للمتاجرة والمنافرة ومفاداة الأسرى وأداء الحج. وكان كل شريف إنما يحضر سوق ناحيته إلا عكاظ فإنهم كانوا يتوافدون إليها من كل فجن لأنها متوجِهُهُم إلى الحج، ولأنها تقام في الأشهر الحرم، وذلك ولا ريب سر قوتها وسبب شهرتها. وكان مرجعهم في الفصل بينهم إلى محكمين اتفقوا عليهم وخضعوا لهم فكانوا يحكمون لمن وضح بيانه وفصح لسانه.

2 - أثر مكة وعمل قريش: كان لموقع مكة أَثر بالغ في وحدة اللغة ونهضة العرب، لأنها كانت في النصف الثاني من القرن السادس محطاً للقوافل الآتية من الجنوب تحمل السلع التواجر من الهند واليمن فيبتاعها المكَيون ويصرفونها في أسواق الشام ومصر. وكانت جواد مكة التجارية آمنة لحرمة البيت ومكانة قريش، فكان تجَارهم يخرجون بقوافلهم الموقرة وعِيرهم الدَثْر آمنين، فينزلون الأسواق ويهبطون الآفاق فيستفيدون بسطة في العلم، وقوة في الفهم، وثروة في المال،

وخبرة بأمور الحياة: وهي مع ذلك متجرة للعرب ومثابة للناس يأتون إليها من كل فج عميق وعلى كل ضامر ليقضوا مناسكهم ويشتروا مرافقهم مما تنتجه أو تجلبه. ذلك إلى أن قريشاً أهلها وأمراءها كانوا لمكانتهم من الحضارة و زعماتهم في الحج، ورياستهم في عكاظ، وإيلافهم رحلة الشتاء إلى اليمن ورحلة الصيف إلى حوران أشد الناس بالقبائل ارتباطاً، وأكثرهم بالشعوب اختلاطا. كانوا يختلطون بالحبشة في الجنوب، وبالفرس في الشرق، وبالروم في الشمال. ثم كانوا على أثارة من العلم بالكتب المنزلة: باليهودية في يثرب وما جاورها من أرض خيبر وتيماء، وبالنصرانية في الشام ونجران والحيرة؛ فتهيأت لهم بذلك الوسائل لثقافة اللسان والفكر. ثم سمعوا المناطق المختلفة، وتدبروا المعاني الجديدة، ونقلوا الألفاظ المستحدثة، واختاروا لغتهم من أفصح اللغات، فكانت أعذبها لفظاً، وأبلغها أسلوباً وأوسعها مادة، ثم أخذ الشعراء يؤثرونها حتى نزل بها القرآن الكريم فأتم لها الذيوع والغلبة.

***************

المصدر: كتاب تاريخ الأدب العربي للمدارس الثانوية و العليا - ص 15 - 17

تأليف: أحمد حسن الزيات - عضو مجمع اللغة العربية

دار المعرفة - بيروت لبنان - الطبعة السادسة 1420 هـ - 2000 م

ـ[محمد نوري محمد]ــــــــ[25 - 06 - 05, 12:48 م]ـ

بارك الله فيك على هذه المعلومات وهل انت متخصصة بالعربية يا اختي

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير