تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكذلك مما يعين على الحفظ: الاهتمام بالغذاء المناسب، فإن التخمة من الأسباب المانعة من الحفظ، ولذلك كانوا يقللون الطعام؛ لأن كثرة الطعام تتخم النفس وتجعل القلب مشغولاً ومثقلاً، فلا تتمكن النفس من الحفظ، وكانوا يعتنون بأنواع الطعام، وليس فقط بكميته، ومن الأشياء المجربة التي ذكروها مما يزيد الحفظ: شُرب العسل وتناول الزبيب، والرمان الحلو، والحبة السوداء، واللبان على الريق، ليس اللبان الذي تستخدمونه الآن، الذي يعملون منه بالونات للأطفال، وإنما هو نوع من اللبان كانوا يمضغونه على الريق. وكانوا يجتنبون الأشياء الحامضة، حتى كان الزهري رحمه الله يجتنب التفاح الحامض، وهذا مجرب؛ الحوامض مما يقلل الحفظ، وكان العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله كما حكى عنه بعض أولاده، قال: كان أبي يزجرنا زجراً شديداً إذا رأى مع أحدنا لبناً حامضاً. وهذه الأشياء نسبتها في الحفظ قليلة، فالزبيب لا يجعل غير الحافظ حافظاً أو اللبان، وإنما هي أشياء معينة ومساعدة، ونحن نذكر العوامل وإن كانت نسبتها في الحفظ كثيرة أو قليلة من باب جمعها وذكرها. وكذلك إصلاح المزاج من الأصول العظيمة في الحفظ، ولاشك أن بعض الأطعمة تؤثر في الأمزجة فتسبب تعكيراً، وتسبب أشياء في المعدة، وشيئاً من الغثيان، والغثيان يضاد الحفظ.

السعي للتذكر:

وكذلك من الأمور المهمة: السعي للتذكر، بعض الناس إذا سئل عن شيء وهو لا يتذكره يمضي، لكن ينبغي عليه لكي يمرن ذاكرته أن يتوقف يتذكر، ويعتصر ذهنه وذاكرته حتى يتذكر؛ لكي يدرب الذهن والذاكرة على استرجاع المعلومات، أما كلما نسي شيئاً للوهلة الأولى تركه ومضى فإنه يتعود على النسيان السريع، أما إذا كان يعود نفسه كلما نسي شيئاً أن يحاول جاهداً أن يتذكره فإنه يكون أحسن وأنفع في استرجاع المعلومات.

وظائف طالب العلم:

ومما يُضعف الذاكرة: كثرة الكتابة والاعتماد على الأشياء المكتوبة. أما بالنسبة لوظائف طالب العلم فهي كثيرة، يحتاج أن يحفظ وأن يقرأ وأن ينسخ، وربما احتاج أن يُلقي ويُدرس، فعليه أن يُوزع هذه الأشياء على وقتها، قال ابن الجوزي رحمه الله: ولما كانت القوة تُكلفه فهي تحتاج إلى تجديد، وكان النسخ والمطالعة والتصنيف لابد منه مع أن المهم الحفظ، وجب تقسيم الزمان على الأمرين، فيكون الحفظ في طرفي النهار وطرفي الليل، ويوزع الباقي بين عمل النسخ والمطالعة وراحة البدن وأخذهِ لحظِّه، ولا ينبغي أن يقع الغبن بين الشركاء، فإنه متى أخذ أحدهم فوق حقه أثر الغبن وبان أثره، وإن النفس لتحدب إلى النسخ والمطالعة والتصنيف عن الإعادة والتكرار؛ لأن ذلك أشهى وأخف عليها، ومع العدل والإنصاف يتأتى كل مراد. فإذاً: حسن توزيع الوظائف -يا طالب العلم! - على الوقت من الأمور المهمة.

أوقات الحفظ:

فإذا قلت: ما هي الأوقات المناسبة للحفظ؟ إن العمر مراحل: الطفولة والصبا وسن الشباب، ثم الكهولة والشيخوخة والهرم، فلاشك أن أحسن الأوقات للحفظ هو الصبا والطفولة والفترة المبكرة من العمر، فللحفظ أوقات من العمر أفضلها الصبا، وما يقاربه من أوقات الزمان، وقديماً قالوا: حفظ الغلام الصغير كالنقش في الحجر، وحفظ الرجل الكبير كالكتابة على الماء. وقال علقمة: ما حفظت وأنا شاب كأني أنظر إليه في قرطاس أو ورقة. وعن الحسن قال: [قدموا إلينا أحداثكم فإنهم أفرغ قلوباً وأحفظ لما سمعوا، فمن أراد الله أن يتمه له أتمه]. وعن معمر قال: جالست قتادة وأنا ابن أربع عشرة سنة فما سمعت منه شيئاً وأنا في ذلك السن إلا وكأنه مكتوب في صدري. لقد أكملنا سن الطفولة، والعلماء كانوا يحفظون القرآن وهم أبناء ثمان سنين وتسع وعشر، فهل فاتنا القطار أم لا؟ الجواب: لا. لم يفت القطار، مهما بلغ الإنسان من التقدم في السن فإنه يستطيع أن يحفظ، وليس هناك سن لا يستطيع أن يحفظ فيها شيئاً مادام العقل باقياً، فمادام العقل باقياً فالحفظ ممكن، لكن كلما كان في الصغر كان أسهل. ولو فاتك أنت وقت الحفظ الجيد، ينبغي ألا يفوتك: أولاً: أن تحفظ فيما بقي من عمرك، وثانياً: أن تتدارك هذا مع ولدك الصغير، فلو فاتتنا أشياء نتيجة لعدم التربية الجيدة في الماضي، فإننا نستدرك هذا مع أولادنا الآن، فنجعلهم يحفظون ونساعدهم على الحفظ، ونجعل لهم الجوائز التشجيعية حتى لا يندموا إذا كبروا، ويكون لك من

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير