تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ونأتي في ختام المطاف إلى ذكر شيء من أخبار الحفاظ الذين أنعم الله بهم على هذه الأمة، وثقوا -أيها الإخوة- أننا نشعر بالعز والفخار من معرفة سيرهم، وأننا نقارع بهم الأمم، لا توجد أمة عندها حفاظ مثل الأمة الإسلامية مطلقاً، لا الإنجليز ولا الألمان، ولا الأمريكان ولا البيزنطيون، ولا الروم ولا الفرس، لا يوجد ناس عندهم حفاظ مثل الأمة الإسلامية أبداً، هذا شيء يشهد به القاصي والداني، والقريب والبعيد، ويشهد به التاريخ. ولذلك عندما تسمع الآن أخبار هؤلاء هات مثلهم من الغربيين، إذا صار عندهم هذا فهو ندرة، خزنوا كل شيء في الكمبيوترات وصارت عقولهم خاوية، وإذا توقف الكمبيوتر لا يستفاد لا منه ولا من جهازه، ولذلك نقول: صحيح أننا نستفيد من وسائل حفظ المعلومات، لكن إلغاء الحفظ شيء مضر جداً، ومن أسوأ الأشياء إلغاء الحفظ بالزعم أن هناك طرق تخزين حديثة، وماذا ينفعك الكمبيوتر وأنت بين الصفا والمروة تريد أن تستذكر شيئاً من الأذكار والأدعية، أو إذا قام الإمام إلى الركعة الخامسة، وتريد أن تستذكر الحكم فيها، أين جهازك في الصلاة؟! فإذاً: نرجع ونقول: أولاً وأخيراً الحفظ الحفظ.

أبو هريرة رضي الله عنه:

وأما الحفاظ فإن على رأسهم بعد الأنبياء الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، وعلى رأس الصحابة في الحفظ أبو هريرة رضي الله عنه، روى البخاري رحمه الله تعالى عن أبي هريرة، قال: [إن الناس يقولون: أكثر أبو هريرة، ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثاً، ثم يتلو: ((إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى)) [البقرة:159] إلى قوله: ((الرَّحِيمُ)) [البقرة:160]، إن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم -المزارع- وإن أبا هريرة كان يلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشبع بطنه، ويحضر مالا يحضرون، ويحفظ مالا يحفظون]. هذا هو التفرغ وجمع العقل والهم، والهم: هو الحفظ، وقال أبو هريرة: (إنكم تقولون إن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون: ما بال المهاجرين والأنصار لا يحدثونا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل حديث أبي هريرة؟ وإن إخوتي من المهاجرين كان يشغلهم صفق بالأسواق، وكنت ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملئ بطني -لا آخذ إلا ما يكفيني من الطعام- فأشهد إذا غابوا، وأحفظ إذا نسوا، وكان يشغل إخوتي من الأنصار عمل أموالهم، وكنت امرءاً مسكيناًَ من مساكين الصفة، أعي حين ينسون، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث يحدثه: إنه لم يبسط أحدٌ ثوبه حتى أقضي مقالتي هذه ثم يجمع إليه ثوبه إلا وعى ما أقول، فبسطت نمرة عليّ حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته جمعتها إلى صدري، فما نسيت بعد مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك من شيء). هذا أبو هريرة رضي الله عنه، ومع ذلك ما حدث بكل ما حفظ، وهو أكثر الصحابة رواية على الإطلاق، فإنه الذي قال: [حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين، فأما أحدهما فبثثته، وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم] ولعل من ذلك حديث: (إن من أشراط الساعة إمارة الصبيان). ولذلك كان أبو هريرة يقول: [اللهم إني أعوذ بك من رأس الستين وإمارة الصبيان] ولذلك لما تولى الصبي في عام ستين للهجرة من الأمويين، الله عز وجل قبض أبا هريرة قبلها بسنة، فمات سنة تسع وخمسين للهجرة على قول.

الإمام البخاري رحمه الله:

ومن الحفاظ الأجلاء وأعظم الحفاظ على الإطلاق، ومن أعظم من أنجبتهم هذه الأمة في الحفظ على الإطلاق الإمام البخاري رحمه الله تعالى بلا منازع، وهو مفخرة في جبين هذه الأمة، وغرة ودرة رحمه الله تعالى. كان أبو عبد الله البخاري يختلف معنا -هذا كلام حاشد بن إسماعيل - إلى مشايخ البصرة وهو غلام، فلا يكتب -يأتي للحلقة ولا يكتب شيئاً- حتى أتى على ذلك أيام، فكنا نقول له: إنك تختلف معنا ولا تكتب، فما تصنع؟ فقال لنا يوماً بعد ستة عشر يوماً مضت: إنكما قد أكثرتما علي وألححتما، فاعرضا عليّ ما كتبتما، فأخرجنا إليه ما كان عندنا، فزاد على خمسة عشر ألف حديث، فقرأها كلها عن ظهر قلب، حتى جعلنا نحكم كتبنا على حفظه -نصحح دفاترنا على حفظ البخاري - خمسة وأربعون يوماً جلس مع

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير