تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

" أو تركت لي كبدا صحيحة أو جلَد الحر على قرع النوى

لكان لي على الطلول وقفة أبرئ النفس بها من الهوى

لكن لي قلبا عرته سكرة ما ضل في غمارها ولا غوى

وعاش في صبابة تعمده مال إليها عامدا فما ارعوى " (54)

وكفى دليلا أخيرا لضعف المقاصير وندرتها، أنني أفتش كثيرا من كتب علم العروض (ومنه علم القافية) قديمة أو حديثة، لأجد بيانا للقافية المقصورة، فلا أجد- إن وجدت شيئا- إلا تجويز وقوع مثل تلك الألف رويا، فأما انتماء القافية عندئذ إلى الإطلاق أو إلى التقييد، فلا ذكر له (55).

خامسا: روي القافية المقيدة على العموم

{19} إن اختيار ما يكون رويا تدور عليه القصيدة، ينبغي أن تحكمه ذخيرة الشاعر اللغوية، فيكون مما يحفظ له مادة من الكلمات التي إذا استعملها كان آخرها الحرف المختار، فلا يفتضح بما حذره المعري قائلا: "إذا جاء الروي فُضح الغوي"؛ ذاهبا إلى أن الشاعر الذي يلقي نفسه في تهلكة روي لا يحفظ له مادته التي تكفي القصيدة، جاهل ضال!

{20} ولا ريب في أن حروف المعجم متفاوتة المواد، فمنها حروف كثيرة الوقوع أواخر الكلمات، وحروف قليلة، وحروف كالمهجورة لا تكاد تستعمل. وهو ما دعا المعري إلى تقسيم القوافي على حسبها إلى: ذُلُل (جمع ذَلول) كثيرة الاستعمال لينة على الألسن، ونُفُر (جمع نَفور) قليلة الاستعمال لا ترتاض للألسن، وحُوش (جمع حُوشيّة أي وحشية) مهجورة الاستعمال تتحاشاها الألسن (56)، فدعا ذلك الدكتور أنيس إلى تفقد الشعر العربي، ليصنع إحصاءه الخاص الذي قسم بعده الحروف التي وقعت رويا- وكانت حروف المعجم كلها دون الألف الحركة الطويلة، وكأنه لم يعتد بها رويا ورأى القافية عندئذ معددة، كما سبق بيانه في الفقرة الثامنة عشرة- أربعة أقسام: كثيرة الوقوع رويا، ومتوسطته، وقليلته، ونادرته، ذاكرا أن اختلافها هذا راجع إلى اختلاف وقوعها أواخر الكلمات كثرة وقلة، لا إلى اختلافها ثقلا وخفة (57). وليس يمتنع أن ترجع كثرة وقوعها أواخر الكلمات وقلته، إلى اختلافها ثقلا وخفة؛ فالاقتصاد في الجهد مبدأ لغوي.

{21} لقد بين الجدول الثاني أن شعراء عُمان استعلموا من حروف المعجم التسعة والعشرين- بضم الألف- عشرين حرفا بنسبة 68.96%، وهي نسبة عالية دالة على سعة ذخيرتهم اللغوية وفضل تصرفهم بها وكأنهم يُدِلّون بركوب تلك المهلكة، وهي خصلة الشعراء من قديم (58).

سادسا: روي القافية المقيدة على الخصوص

{22} إن نسب استعمال حروف المعجم رويا للقافية المقيدة، التي قدمها الجدول الثاني، في شعر الستالي (10.34%) ثم الحبسي (65.51%)، ثم البهلاني (27.58%)، ثم الصقلاوي (10.34%)، تكشف سريعا تميز الحبسي.

إن الحبسي لم يترك حرفا استعمله أصحابه إلا استعمله وزاد عليه ما لم يستعملوه، ما عدا الألف التي اختص بها البهلاني، وهي من الخصوصية على ما تقدم.

وأنا لا أخلي عمل الحبسي من تقليد شبيهه في الشعر والضرارة وأستاذه المعري الذي تحرى النظم من حروف المعجم كلها، ورتب عليها ديوانه لزوم ما لا يلزم، وكان هذا نفسه منه التزام ما لا يلزمه. ودليلي لهذا ملاحظة تلميذه جامع ديوانه في حياته سليمان بن بلعرب، حين قال: "لقد تأملته كله فلم أجد بحرا من أبحر الشعر إلا وهو به، ولا قافية من القوافي، إلا وهي به" (59).

{23} ولئن كنا نعود إلى قصائد الحبسي ذات الروي القليل الاستعمال أو النادره، فلا نجد كلمة حوشية، إن قصائده هذه لقصيرة تنتمي إلى القِطَع كثيرا؛ فغينيته أربعة أبيات، وخائيته ثمانية، وزائيتاه ستة وخمسة، وهي حروف من القسم النادر الوقوع رويا، عند الدكتور أنيس.

وفضلا عن أن هذا التقصير يقي الحبسي من أن يتجاوز الذلول المرتاض من الكلمات، إلى الشموس الحوشي، يقضي له وطره من تحري استعمال حروف المعجم كلها- وسائرها في قوافيه المطلقة- ثم هو يسهل عليه- وهو الضرير- صنع شعره وحفظه وإنشاده جميعا.

سابعا: أنواع روي القافية المقيدة على العموم

{24} إن تحريك الحرف أعظم أسباب إظهاره للسمع، فإذا سكن افتقد ذلك السبب، واقتصر على ما تمده به طبيعة نوعه. وأنواع الحروف من حيث قوة الإسماع، ستة، ترتب في ست مراتب (60)، أوردها فيما يلي، ممثلا لكل مرتبة بكل ما ورد منها في مادة البحث بترتيب الجدول الثاني:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير