تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

رَأْيُ الْحُذَّاقِ مِنَ النَّحْوِيِّينِ فِي عِلَّةِ بِنَاءِ الأَسْمَاءِ

ـ[عبدالعزيز المغربي]ــــــــ[24 - 08 - 05, 03:36 م]ـ

قال محمد محي الدين عبد الحميد رحمه الله في منحة الجليل تعليقا على شرح ابن عقيل لقول ابن مالك رحمهما الله:

وَالاِسمُ مِنهُ مُعرَبٌ وَمَبنِي - لِشَبَهٍ مِنَ الحُرُوفِ مُدنِي

اِعْلَمْ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ بِنَاءِ بَعْضِ الأَسْمَاءِ: أَهُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ يُوجَدُ فِي كُلِّ مَبْنِيٍّ مِنْهَا أَوْ أَشْيَاءٌ مُتَعَدِّدَةٌ يُوجَدُ وَاحِدٌ مِنْهَا فِي بَعْضِ أَنْوَاعِ الْمَبْنِيَّاتِ وَبَعْضٌ آخَرٌ فِي نَوْعٍ آخَر، وَهَكَذَا.

فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ السَّبَبَ مُتَعَدِّدٌ، وَأَنَّ أَسْبَابَ مُشَابَهَةِ الاِسْمِ فِي الْمَعْنَى للِفِعْلِ الْمَبْنِي، وَمِثاَلُهُ – عِنْدَ هَؤُلاَءِ – مِنَ الاِسْمِ (نَزَالِ) وَ (هَيْهَاتَ) فَإِنَّهُمَا لَمَّا أَشْبَهَا (اِنْزِلْ) وَ (بَعُدَ) فِي الْمَعْنَى بُنِيَا، وَهَذَا السَّبَبُ غَيْرُ صَحِيحٍ، لأَنهُ لَوْ صَحَّ لَلَزِمَ بِنَاءُ نَحْوُ (سُقْيًا لَكَ) وَ (ضَرْبًا زَيْدًا) فَإِنَّهُمَا بِمَعْنَى فِعْلِ الأَمْرِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ. وَأَيْضًا يَلْزَمُهُ إِعَرَابَ نَحْو (أُفٍّ) وَ (أَوَّهْ) وَنَحْوهِمَا مِنَ الأَسْمَاءِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ الْمُعْرَبِ، وَلَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ أَحَدٌ، وَإِنَّمَا الْعِلَّةُ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا بُنِيَ (نَزَالِ) وَ (شَتَّانَ) وَ (أَوَّهْ) وَغَيْرُهَا مِنْ أَسْمَاءِ الأَفْعَالِ: هِيَ مُشَابَهَتُهَا الْحَرْفَ فِي كَوْنِهَا عَامِلَةً فِي غَيْرِهَا غَيْرَ مَعْمُولَةٍ لِشَيْءٍ، أَلاَ تَرَى أَنَّكَ إِذَا قُلْتَ (نَزَالِ) كَانَ اسْمَ فِعْلٍ مَبْنِيَّا عَلَى الكَسْرِ لاَ مَحَلَّ لَهُ مِنَ الإِعْرَابِ، وَكَانَ لَهُ فَاعِلٌ هُوَ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فِيهِ وُجُوبًا تَقْدِيرُهُ أَنْتَ، وَهَذَا الفَاعِلُ هُوَ الْمَعْمُولُ لاِسْمِ الفِعْلِ، وَلاَ يَكُونُ اسْمُ الْفِعْلِ أَبَدًا مُتَأَثِّرًا بِعَامِلٍ يَعْمَلُ فِيهِ، لاَ فِي لَفْظِهِ وَلاَ فِي مَحَلِّهِ.

وَقاَلَ قَوْمٌ مِنْهُمُ ابْنُ الْحَاجِبِ: إِنَّ مِنْ أَسْبَابِ البِنَاءِ عَدَمُ التَّرْكِيبِ، وَعَلَيْهِ تَكُونُ الأَسْمَاءُ قَبْلَ تَرْكِيبِهَا فِي الْجُمَلِ مَبْنِيَّةٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْفَسَادِ، وَالصَّوَابُ أَنَّ الأَسْمَاءَ قَبْلَ تَرْكِيبِهَا فِي الْجُمَلِ لَيْسَتْ مُعْرَبَةً وَلاَ مَبْنِيَّةً، لأَِنَّ الإِعْرَابَ وَالبِنَاءَ حُكْمَانِ مِنْ أَحْكَامِ التَّرَاكِيبِ، أَلاَ تَرَى أَنَّهُمْ يُعَرِّفُونَ الإِعْرَابَ بِأَنَّهُ: أَثَرٌ ظَاهِرٌ أَوْ مُقَدَّرٌ يَجْلِبُهُ العَامِلُ، أَوْ يُعَرِّفُونَهُ بِأَنهُ: تَغَيُّرُ أَوَاخِرِ الْكَلِمَاتِ لاِخْتِلاَفِ الْعَوَامِلِ الدَّاخِلَةِ عَلَيْهَا، وَالْبِنَاءُ ضِدُّهُ، فَمَا لَمْ يَكُنْ تَرْكِيبٌ لاَ يَجُوزُ الْحُكْمُ بِإِعْرَابِ الْكَلِمَاتِ وَلاَ بِبِنَائِهَا.

وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّ مِنْ أَسْبَابِ الْبِنَاءِ أَنء يَجْتَمِعَ فِي الاِسْمِ ثَلاَثَةُ أَسْبَابٍ مِنْ مَوَانِعِ الصَّرْفِ. وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ السَّبَبَيْنِ يَمْنَعَانِ مِنْ صَرْفِ الاِسْمِ، وَلَيْسَ بَعْدَ مَنْعِ الصَّرْفِ إِلاَّ تَرْكُ الإِعْرَابِ بِالْمَرَّةِ، وَمَثلَّوُا لِذَلِكَ بِ (حَذَامِ)، وَ (قَطَامِ) وَنَحْوِهِمَا، وَادَّعَوْا أَنَّ سَبَبَ بِنَاءِ هَذَا الْبَابِ اجْتِمَاعُ العَلَمِيَّةِ وَالتَّأْنِيثِ وَالْعَدْلِ عَنْ (حَاذِمَةَ) وَ (قَاطِمَةَ) وَهُوَ فَاسِدٌ، فَإِنَّا وَجَدْنَا مِنَ الأَسْمَاءِ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ خَمْسَةُ أَسْبَابٍ مِنْ مَوَانِعِ الصَّرْفِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مُعْرَبٌ، وَمِثَالُهٌ (أَذْرِبيِجَان) فَإِنَّ فِيهِ العَلَمِيَّةَ وَالتَّأْنِيثَ وَالْعُجْمَةَ وَالتَّرْكِيبَ وَزِيَادَةَ الأَلِفِ وَالنُّونِ، وَلَيْسَ بِنَاءُ (حَذَامِ) وَنَحْوَهُ لِمَا ذَكَرُوهُ، بَلْ لِمُُضَارَعَتِهِ فِي الهَيْئَةِ (نَزَالِ) وَنَحْوِهِ مِمَّا بُنِيَ لِشَبَهِهِ بِالْحَرْفِ فِي نِيَابَتِهِ عَنِ الْفِعْلِ وَعَدَمِ تَأَثُّرِهِ بِالْعَامِلِ.

وَقَالَ قَوْمٌ مِنْهُمُُ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ الشَّارِحُ (*): إِنَّهُ لاَ عِلَّةَ لِلْبِنَاءِ إِلاَّ مُشَابَهَةُ الْحَرْفِ، وَهُوَ رَأْيُ الْحُذَّاقِ مِنَ النَّحْوِيِّينَ، كُلُّ مَا فِي الأَمْرِ أَنَّ شَبَهَ الْحَرْفِ عَلَى أَنْوَاعٍ.

(*) مِنَ القَوْمِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ ابْنُ عَقِيلٍ رَحِمَهُ الله:أَبُو عَلِيٍّ الفَارِسِيُّ وَسِيبَوَيْهِ وَابْنُ أَبِي الرَّبِيعِ

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير