تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[الطريق إلى علم النحو تأصيلا ودرسا ((منقول))]

ـ[أبو المعتز القرشي]ــــــــ[30 - 08 - 05, 02:41 ص]ـ

كتب هذا المقال الكاتب المبدع فتى الأدغال في الساحات الأدبية ولتعلم الفائدة في ملتقانا المبارك أضعه هنا مع رابطه:

==============================

النحوُ أحدُ العلوم ِ الشريفةِ الأصيلةِ، يُقيمُ الألسنَ ويمحو عارَ اللّحن ِ، ويُزينُ البيانَ والمنطقَ، ولهذا صارَ قبلة ً لأهل ِ العلم ِ، في درسهِ والتأليفِ فيهِ، فتنافسوا في ذلكَ، حتّى صارَ لهذا الفنِّ مدارسُ عدّة ٌ، وقد علمَ أهلُ كلِّ مدرسةٍ منهم مشربَهم.

واليومَ: صارَ النحْو والنحْويُّ غريباً، وانتشرَ اللحنُ، وفشا الغلطُ، وأصبحَ من يتعلّمُ النحوَ فريداً بينَ النّاس ِ، فالأكثرونَ تحاموهُ وجفوهُ، ومنهم من خذّلَ عنهُ وعن تعلّمهِ، ولو فتّشتَ حقيقة َ أمرهِ وحالهِ لوجدتهُ جاهلاً بقدر ِ النحو ِ، أو مُستصعباً لهُ.

ولكن لماذا هذا البعدُ عن النحْو ِ، وهو علمٌ جليلٌ؟.

ربّما كانَ الباعثُ على تركهِ والتجافي عنهُ هو سوءُ عرضهِ من قبل ِ بعض ِ المدرّسينَ، والذين أخذوا يعلّمونَ النحوَ ولمّا يفهموهُ بعدُ، فصارَ تدريسُهم لهُ طلاسمَ وأحاجي، وأصبحَ ما يعلمهُ الطالبُ من صحيح ِ النحْو ِ مشوباً بأضعافهِ من الغلطِ والخلطِ، فضعفتْ ملكة ُ الطلاّبِ، وقلّتْ إمكانيّاتُهم، فرموا علمَ النحْو ِ بالنقائص ِ، وكُتبهُ ودواوينهُ بالغرابةِ والصعوبةِ، وما دروا أنَّ مكمنَ العلّةِ هو ذاكَ الأستاذ ُ المسيءُ للصنعةِ، ممّا أدى إلى الجفوةِ.

كانَ النحْو ِ عزيزَ الجانبِ، مهيبَ الرّكن ِ، ينقلهُ العلماءُ كابراً عن كابر ٍ، ويُسطّرونهُ في دواوينهم بحرفةٍ وإتقان ٍ، ويُسدّدونهُ بالتلقين ِ رطباً من الأفواهِ إلى الآذان ِ، حتّى يأمنوا غوائلَ التصحيفِ واللّحن ِ، ويؤدّونهُ كما سمعوهُ غضّاً طريّاً.

واليومَ: غاضَ ذلكَ النبعُ، وحُبسَ قطرهُ، فسادتَْ بينَ النّاس ِ لغة ُ العوامِّ، وحديثُ الجرائدِ، وأصبحوا في حالةٍ من الضعفٍ باديةٍ، واللّحن ِ فاشيةٍ، وستروا سوءتهم بصُبابةٍ من القواعدِ المنتثرةِ هنا وهناكَ، والتي علقتْ بذاكرتِهم كعلوق ِ الأحلام ِ باليقِظِ المُفيق ِ، واختفتْ من عالمنا تلكَ الصورُ الزاهية ُ لأولئكَ الذينَ كانوا يحفظونَ مئاتِ الآلافِ من شواهدِ الشعر ِ، وشواردِ الأدلّةِ، ومنهم من كانَ يحفظ ُ الأسفارَ الكبيرة َ، ويسردُ المتونَ، كما يسردُ أحدُنا السورة َ القصيرة َ من القرءان ِ.

تلكَ الصورُ التي أيسنا من وجودِها، وحسبُنا أنّها في بطون ِ كتبِ التراثِ، نقرأها حيناً فنطربُ وننتشي، ونسكبُ العبراتِ الحرّى على أولئكَ النفر ِ العظام ِ، الذين حفظوا الدينَ واللّسانَ والعقلَ، فأدّوهُ كما كانَ، حتّى كأنّا نُجالسُ الرعيلَ الأوّلَ، ونُزاحمهم بالرّكبِ في ثنايا تلكَ السطور ِ.

النحوُ لم يكنْ يوماً باباً صعبَ المرام ِ، وعرَ المسلكِ، بل هو علمٌ يسيرٌ سهلٌ، من رامَ أخذهُ وتعلّمهُ وُفّقَ وهُديَ، ومن حجّبهُ بالوهم ِ واليأس ِ منهُ، فقد وقعَ في سوءِ نيّتهِ، وحُرمَ منهُ لدخَل ِ مقصدهِ.

لكلِّ علم ٍ أصولٌ ومراتبُ يرتقي في معارجها من أرادَ الوصولُ إلى الغايةِ فيها، فمن الخطأ القفزُ من مرتبةٍ إلى أخرى، دونَ إتمام ِ وحذق ِ ما قبلها، وكذلكَ من التهوّر ِ المواصلة ُ إلى أسنى المراتبِ، إذا كانَ ذلك العلمُ ليسَ بمطلوبٍ لذاتهِ، وليسَ المُتخصّصُ كالمُتلصّص ِ، ويجبُ على هذا ما لا يُستحبُ لذلكَ.

وعلمُ النحْو ِ كذلكَ، دخلهُ بعضُ النّاس ِ من أوعر ِ طرقهِ وأبأسها، ألا وهو التعليلُ والصنعة ُ الدقيقة ُ، فاستهواهُ التعليلُ والنقدُ، وأطربهُ ما يحملهُ من نِقاشاتٍ ذهنيّةٍ جدليّةٍ، ليستْ من علم ِ النحْو ِ في شيءٍ، بل هي دخيلة ٌ عليهِ، وهي بعلوم ِ المنطق ِ الذهنيّةِ أشبهُ منها بعلوم ِ الشرع ِ واللسان ِ، وعلمُ النحْو ِ كصناعةٍ وتعليل ٍ قليلُ الفائدةِ كثيرُ المزالق ِ، لا يُجتنى منهُ إلا كدُّ الذهن ِ وترويضُ العقل ِ، وأمّا الفائدة ُ اللغويّةِ أو تركيبُ الجمل ِ تركيباً سليماً، فهذا لا يدخلُ فيهِ البتّة َ، ولهذا قالوا قديماً: أضعفُ من حُجّةِ نحْويٍّ، وذلكَ لأنَّ حُججهم واهية ٌ ومُتخيّلة ٌ، ومن عرفَ كلامَ العربِ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير