تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[من رسائل الإمام الرافعي لأبي رية (نماذج عالية من أدب الترسل)]

ـ[أبوعبدالرحمن الدرعمي]ــــــــ[30 - 08 - 05, 05:14 ص]ـ

منقول:

1 - رأيهُ في أمتع ِ كتبِ النحوِ

(لمّا صحت نيتي على أن أتصلَ بشيخنا الرافعيّ – رحمه الله – رأيتُ أن أسألهُ عن أفضل كتبِ النحو والصرفِ – وقد كنتُ سألتُ قبل ذلكَ عن هذا الأمر المغفورَ لهُ الشيخ عبدالعزيز جاويش رحمه الله فأجابني أن خير كتبِ النحو ِ كتابُ سيبويه والمفصّل للزمخشري -)

طنطا في 20 ديسمبر سنة 1912

أيّها الأديبُ الفاضلُ

السلامُ عليكم، وبعدُ،

فإنّي أشكرُ لكَ ما أطريتَ وأحمدُ إليكَ كما أثنيتَ، وأرجو أن تكونَ أهلاً لخير ٍ ممّا وصفتني بهِ – إن شاءَ اللهُ -، فإنّ الأدبَ يرقبُ نوابغهِ دائماً من بينِ المعجبينَ بهِ والراغبينَ فيهِ وذوي الحرصِ عليهِ. أمّا ما سألتَ من أمرِ كتبِ النحو ِ والصرفِ، فيشقُّ علي أن أدلّكَ على غرضكَ منها، لأنّي لستُ على بيّنةٍ من قوّتكَ في فهم كتبِ القوم ِ، والبصر ِ بها، غير أنّكَ لو سألتني عن أنفعِ وأمتعِ كتابٍ طُبعَ في النحوِ، لدللتكَ على " شرحِ الكافيةِ للرضي "، وهو كتابٌ ضخمٌ ليسَ في كتبِ العربيةِ ما يساويهِ بحثاً وفلسفةً.

وللرضي أيضاً شرحٌ على الشافيةِ في الصرفِ، هو كصنوهِ في النحوِ لا يعدلهُ غيرهما، فاشترهما، وضُمّ إليهما كتابَ " متن ِ التوضيحِ " لابن هشام ٍ، وشرحه ِ، فإن لم تنتفعْ بالأولين انتفعتَ بالآخرين ِ.

وإلى اللهِ الدعاءُ في توفيقكَ وتسديدكَ، وأذكرُ أنّي معجبٌ برغبتكَ في الأدبِ وإخلاصكَ لأهلهِ.

والسلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته

مصطفى صادق الرافعي

2 – رأيهُ في دراسةِ الأدبِ العربيّ

(لمّا جاءني أوّل كتابٍ من الرافعيّ – رحمهُ اللهُ – فرحتُ بهِ فرحاً شديداً، وجعلتهُ ممن يجبُ الرجوعُ إليهم في أمرِ الأدبِ العربي ودراستهِ، وقد عنّ لي أن أعرفَ رأيهُ في دراستهِ – وهو الإمامُ الحجة ُ – فكتبتُ إليهِ خطاباً في ذلكَ، كانَ الجوابُ عنهُ هذا الكتابُ):

طنطا في 30 ديسمبر سنة 1912

أيّها الفاضلُ

إنّ أعمالي كثيرةٌ في هذه الأيام ِ ولذا أراني أبطأتُ في الردِ على كتابكَ، وإنّي مجيبك عنهُ بإيجازٍ، لأنّ ما سألتَ عنهُ يصعبُ التبسّطُ فيهِ على وجهٍ واحدٍ.

إنّكَ تريدُ امتلاكَ ناصيةِ الأدبِ – كما تقولُ -، فينبغي أن تكونَ لكَ مواهبُ وراثية ٌ تؤديكَ إلى هذه الغايةِ، وهي مالا يُعرفُ إلا بعدَ أن تشتغلَ بالتحصيل ِ زمناً، فإن ظهرَ عليكَ أثرها وإلا كنتَ أديباً كسائرِ الأدباءِ، الذينَ يستعيضونَ من الموهبةِ بقوّةِ الكسبِ والاجتهادِ.

فإذا رغبتَ في أقربِ الطرق ِ إلى ذلكَ فاجتهدْ أن تكونَ مفكّراً منتقداً، وعليكَ بقراءةِ كتبِ المعاني قبلَ كتبِ الألفاظِ، وادرسْ ما تصلُ إليهِ يدكَ من كتبِ الاجتماعِ والفلسفةِ الأدبيةِ في لغةٍ أوربيةٍ أو فيما عرّبَ منها.

واصرف همّكَ من كتبِ الأدبِ العربي – بادىء ذي بدءٍ – إلى كتابِ كليلةَ ودمنة والأغاني ورسائلَ الجاحظِ وكتابَ الحيوان ِ والبيانِ والتبيين لهُ، وتفقّه في البلاغةِ بكتابِ " المثل ِ السائرِ "، وهذا الكتابُ وحدهُ يكفلَ لكَ ملكةً حسنة ً في الانتقادِ الأدبي، وقد كنتُ شديدَ الولعُ بهِ.

ثمّ عليكَ بحفظِ الكثيرِ من ألفاظِ كتابِ " نُجعةِ الرائدِ " لليازجي والألفاظِ الكتابيّةِ للهمذانيّ، وبالمطالعةِ في كتابِ " يتيمةِ الدهرِ " للثعالبيّ والعقدِ الفريدِ لابن عبدربه وكتابِ " زهرِ الآدابِ " الذي بهامشهِ.

وأشيرُ عليكَ بمجلّتينِ تُعنى بقراءتهما كل العنايةِ " المقتطف والبيان "، وحسبكَ " الجريدةُ من الصحفِ اليومية و " الصاعقة " من الأسبوعية، ثم حسبكَ ما أشرتُ عليكَ بهِ فإنّ فيهِ البلاغ كلّهُ، ولا تنسَ شرحَ ديوان ِ الحماسةِ وكتابَ نهجِ البلاغةِ فاحفظْ منهما كثيراً.

ورأسُ هذا الأمر ِ بل سرّ النجاح ِ فيهِ أن تكونَ صبوراً، وأن تعرفَ أن ما يستطيعهُ الرجلُ لا يستطيعهُ الطفلُ إلا متى صارَ رجلاً، وبعبارةٍ صريحةٍ إلا من انتظرَ سنواتٍ كثيرة.

فإن دأبتَ في القراءةِ والبحثِ، وأهملتَ أمرَ الزمن ِ – طالَ أو قصرَ – انتهى بكَ الزمنُ إلى يوم ٍ يكونُ تاريخاً لمجدكَ، وثواباً لجدّكَ.

والسلامُ عليكَ ورحمة ُ اللهِ.

الرافعي

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير