ففي هذا الكتاب يذكر المؤلف أسماء جميع الأماكن التي وردت في القصائد والنصوص ولا يقول عن الكلمة (اسمع موضع) كما يفعل بقية الشراح الآخرون الذين هم من خارج أرض الجزيرة العربية، أما مؤلفنا الجهبذ فهو من عرب الجزيرة، وقد كانت له دراية واسعة بالأماكن التاريخية ويشهد لنا بذلك ما يذكره في مقالاته وفي بطون كتبه من التدقيق البارع في ذكر الأماكن، وبالإضافة الى ذلك فإنه يشير الى المصادر والمراجع التي حددت الأماكن، فهذا الشرح هو أول شرحٍ وافٍ للمعلقات يذكر فيه المؤلف التحديد الدقيق للأماكن الواردة في المعلقات مما يسهل على القارئ فهم البيت واستيعابه فهناك عدد من الأمور يجب أن يستحضرها الباحث أثناء شرح أبيات المعلقات وقد توافرت كلها عند مؤلفنا الكبير الدكتور الفيصل، فتحديد الأماكن والتعريف بها ومعرفة مساكن القبائل العربية كلها من الأمور اللازمة في الشرح.
وقد أورد الدكتور في مقدمة كتابه بيتاً لعمر بن كلثوم يقول فيه:
يكون شغالها شرقي نجد *ولهوتها قضاعة أجمعينا
وقد ذكر عقب هذا البيت ما نصه: (يلزم لشرحه معرفة شرقي نجد، ومساكن قبيلة قضاعة، وشرح البيت يأتي متمماً المعنى. بعد اطلاع القارئ على معاني الألفاظ وتحديد الأماكن).
فالمؤلف من خبراء الشعر الجاهلي فقد جمع شعر قبيلة بني عبس، وبني قشير وبني عقيل في مؤلفات ضخمة فجاءت حصيلة البحوث السابقة في هذا الكتاب المتميز.
والقارئ العادي في هذا الزمان يجد العديد من العقبات التي تتصدى طريقه في قراءة أبيات الشعر الجاهلي وشعر الملعقات بالتحديد، ولكن في هذا الشرح قد عني المؤلف بوضع الحركات والسكنات بشكل دقيق وواضح على أبيات القصيدة الشيء الذي سهل ويسر على القارئ قراءة البيت بالشكل الصحيح، ومن ثم فهمه على ضوء الشرح الموجود في الكتاب.
والأهم أن الأسلوب الذي عالج به النصوص في هذا الكتاب أسلوب عصري، سهل ممتنع يجعل القارئ يندفع في قراءة الشرح دون أن يحس بالوقت، ويكون بعد أن فرغ من قراءة الأبيات وشرحها قد خرج بنتيجة إيجابية وهي فهم الأبيات وحقائبها التاريخية الممتلئة بالأخبار والسير.
وأبيات المعلقات فيها من التشعب والغموض الشيء الكثير ولهذا فإن البيت قد يأتي بأكثر من معنى وهذه المعاني قد أثبتها الشراح في كتبهم. والمؤلف هنا قد يثبت الشرحين والثلاثة على حسب ما ورد عن البيت ومع الإشارة الى شارح البيت من العلماء.
وقد اعتمد المؤلف في إثبات الشعر على ما ثبت في الشروح الكبار مثل شرح ابن كيسان، وشرح ابن الانباري وشرح النحاس، وشرح التبريزي، واعتمد على دواوين الشعراء وأشعار الشعراء الستة الجاهليين وجمهرة أشعار العرب والعديد من الكتب الأخرى وقد ذكرها المؤلف في قائمة المصادر والمراجع.
ويشير المؤلف في مقدمة كتابه إلى أهمية الكتاب قائلاً: (فلا يستطيع مهتم بالعربية أن يقول بعدم أهمية شرح المعلقات وقدمتها لأنها خدمت من قبل فالموضوع مهم وبحاجة إلى الخدمة المتجددة ومن هنا أحسست بواجبي تجاه خدمة هذه المعلقات بالإضافة إلى الرغبة التي يبديها لي كثير من طلبة الدراسات العليا، فاتجاهي إلى خدمة هذه المعلقات منطلق من واجبي نحو تراثنا الشعري ثم من أجل خدمة طالب العلم في أي مكان، فمن يقرأ العربية له حق علي وعلى غيري من أساتذة الجامعة فعملي في هذا الشرح خدمة للعربية وقرائها).
ويحدد المؤلف منهجه في هذا الكتاب قائلاً:
وعملي في هذا الكتاب يبدأ بمدخل يلج منه القارئ الى الشعر على المعلقات فهو يحتوي على معنى المعلقات وجمعها وكتابتها وتعليقها وأسمائها، وعددها وترتيبها وتعيين قصائدها، فبعض أصحاب المعلقات أثبت أكثر من قصيدة، كما يحتوي على أسماء أصحاب المعلقات وعلى شروح المعلقات.
ويورد المؤلف في توثيق المعلقة المصادر التي اعتمد عليها في إثبات المعلقة ويذكر عدد الأبيات في المصادر التي اعتمد عليها بالترتيب، ففي معلقة طرفة ابن العبد يقول المؤلف: (وقد جعلت شرح ابن الأخباري أصلاً لإثبات معلقة طرفة، ثم عرضت معلقة طرفة في المصادر الستة على شرح ابن الأنباري فإذا وجدت اختلافاً في الرواية أو في ترتيب الأبيات أو زيادة أو نقص في الأبيات نبهت عليه في الحاشية، وإذا تبين لي أن رواية النحاس أو الزوزني أو التبريزي أفضل أثبتها وأشرت إلى رواية ابن الأنباري.
¥