[اللفظ والمعنى .. علاقة عبر علوم اللغة العربية]
ـ[فريد البيدق]ــــــــ[05 - 09 - 05, 01:19 م]ـ
استبعد " علم اللغة" علاقة " اللفظ والمعنى" في بعدها الأوليّ؛ لأنه عدّ تلك العلاقة من الغيبيات " الميتا" التي لا تخضع للعلم، والتي ينبغي إهمالها لأن البحث في أولية اللغة وهل هي توقيفية أم اصطلاحية أم غير ذلك - غير مفيد. وصارت تلك العلاقة من مباحث " فقه اللغة" الذي أخذ يسرد كل اختيارٍ وحجج أصحابه.
ودخلت هذه القضية " فن نقد الشعر" ببعدٍ تطبيقيّ يبحث في نعوت "اللفظ والمعنى"، وأيهما مصدر الحسن الفني. وذلك مشاركة في القضية التي افتتحها " الجاحظ" عندما قال: " المعاني مطروحة في الطريق"، فيكون منتصرا للفظ على المعنى. واستمر ذلك محلا للجدل العلمي والفني ولم يحسم.
وقام علم " البيان" على هذه القضية بمباحثه " التشبيه والاستعارة والمجاز المرسل والمجاز العقلي والكناية" -في بعدها " الحقيقي والمجازي"، وهو توظيف جيد لهذه العلاقة. هذا بالنسبة لمن يجيزون المجاز، أما من يمنعونه فهم مطالبون بتأسيس فن مناظر لـ" البيان" وفق مقولتهم الهادمة لـ " البيان " القائم على المجاز.
ثم جاء " النحو" ووظفها وفق مباحثه ومنهجه، ويظهر هذا التوظيف كأجلى ما يكون الظهور في مبحثي" المفعول المطلق، وبعض التوابع"؛ فـ "المفعول المطلق" جزء معنوي مرتبط بمعنى الفعل الذي هو عامله؛ لذا تعددت أنواعه ما بين " مؤكد " أعم دلالة و" مبين للنوع ومبين للعدد" أضيق دلالة.
وفي "البدل" - أحد التوابع- يتحقق فيه ذات المفهوم لكن ليس بين اسم وفعل كما كان في العلاقة السابقة، وإنما بين اسم واسم؛ فهناك " البدل المطابق الكل من الكل" ذو الدلالة العامة، وهناك " البدل الجزئي" ذو الدلالة الأضيق، وهناك "بدل الاشتمال" القائم على البعد التضمني أو الالتزامي لدلالة اللفظ. وكذا " عطف البيان " المطابق لـ"البدل " إلا في مسألتين معروضتين في كتب النحو. وهناك تابع " التوكيد" الذي يضيق من دلالة المؤكَّد كما هو معروف في مباحثه.
ويدخل" علم المعاني" هذا الميدان من خلال مبحث " مقتضى الحال " الذي يقوم عليه العلم.و"مقضى الحال" لا يعدو كونه المعنى القائم لحظة التحدث والذي ينبغي مراعاته لأنه يمثل المقام المعنِي بالكلام.
ويشارك"علم الصرف" في ذلك بمشاركة لفتت من الآخرين الانتباه، وجعلت أحد الدكاترة المعاصرين- الدكتور عبد الكريم جبل- يؤلف بحثا في ذلك. في ماذا؟ في اختلاف المصادر للمادة اللغوية الواحدة تنويعا للمعنى؛ فـ" وجد" لها من المصادر " وجود، ووجد، ووجدان"، و" عبر" لها من المصادر" عبور، وعبارة". وغير ذلك كثير وارد في المعاجم وهذا البحث القيم. وهذه المصادر ليست مبنية على "الترادف" لكنها مبنية على الاختلاف في المعنى القائم على استعمالات العرب وليس على البعد التنظيري الفلسفي.
ويبقى " علم الأصوات" الذي لم يشارك إلى الآن مشاركة كبيرة؛ إذ المشاركة القائمة تتمثل في التناظر بين الثنائيات المتصاقبة معنًى؛ مثل" قضم وخضم، وعصر وهصر ... " إلى غير ذلك.
ورغم أن " علم الدلالة" الحديث قد نما نموا كبيرا، إلا أن هذه العلاقات السابقة عبر جزئيات علوم اللغة العربية -تحتاج إلى تأصيلات تنظيرية متخصصة. وقد يشاء الله تعالى فأقوم بذلك في مقالات آتية -إن شاء الله تعالى.