تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لمَ رحم الشاعر الهلال؟ لقد علم الشاعر أن ذلك الهلال غير المرفرف لعجز تلك الأمة التي بلغت الرمال عددا، لكنهم أهمية كانوا غثاء السيل يحملهم التيار السيال الدافق إلى حيث الهامش اللا معاش واللامرئي!! علم الشاعر أن ذلك اللواء يعلو بمن ينضوون تحته ويشمخ، ويهوي بهم أيضا ويسفل، علم الشاعر أن هذا الألم سببه تلك الملايين فلم يعنف الهلال، اكتفى بتحويله من العلمية إلى مجالٍ من النكارة يفزع الغيور ويزلزل حامل هم أمته. اكتفى الشاعر بتحويل ذلك الرمز إلى النكرة المقصودة بالنداء ليدل على أنه متوحد بذلك الهم، فذلك العلم صار معروفا له فقط.

إنها لفتة لمن يعون لعلهم يستشعرون وحشة الشاعر وغربته اللتين دفعتاه إلى مخاطبة غير العاقل المشعرة بالاستحالة النابعة من كون مخاطبة غير العاقل مفيدة التمني الموحي باستحالة التحقيق. إنها لفتة من الشاعر -لمن يعيش ذات الهم- إلى كون ذلك الهلال ذا قيمة غير محدودة لدى الشاعر إذ نزله منزلة العقلاء للدلالة على دوره الفعال، وأهميته في استنهاض همم التغيير. إنه النداء الذي يوحي بثقل الموات واستحالة الحياة؛ فنداء غير العاقل يفيد التمني المشعر بالعجز، لكن مقصودية النداء تخفف من ذلك اليأس وقتامته.

"عد يا هلال لأمتي" .. وسوناتة الأمل" لأمتي"

"أمتي"؛ هل هي الأمة الحاضرة بذاتها؟ أم أنها هي باعتبارها من سيخرج من أصلابها الأمة المقصودة؟ لا ندري، إنما ندري أن الشاعر لم يفقد إيمانه بقدرة القوم على ممارسة الفعل الصانع التاريخ. إنهم أمته، ولقد أضافهم إليه؛ فلماذا؟ هل يكون ذلك اعتزازا حتى تؤتي دعوته أكلها؟ أم يكون ذلك داعيا لهم لمحاكاته فهو واحد منهم وما زال يعيش الحلم؟ أم يكون إشعارا لهم بأنه يحترم واقعهم رغم ما فيه؛ فالتاريخ لا يعرف البعد الواحد، إنما يعرف الوهاد والنجاد، ومن يصنع النصر قد يصنع الهزيمة!

كلها إيحاءات يقبلها النص وتدل على مدى خصبه الإبداعي الذي سنقف معه في لقاءات قادمة- إن شاء الله تعالى.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير