تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهنا ماذا يجعل الترنم يتحلل إلى نغماته؟ إنها النفسية التي تعيش بحبوحة السعادة والارتياح. وإذا حاولنا إجراء التشبيه –هنا- فسيكون بالصيغة الآتية: تشبيه تمثيلي؛ حيث شبة الشاعر نغمات الأداء، وتنغيم الصوت باللون الذي يحتوي داخله بقية الألون في احتواء الشيء المفرد ظاهرًا أشياء باطنًا لتأكيد ثراء الصوت.

هكذا يؤكد هذان البيتان صفة عبقرية الصوت من خلال صورتين: أولاهما كنائية تنتظم البيت الأول الذي يكنى فيه عن صفة عبقرية الصوت من خلال الدليل المادي الملموس في تلك الحالة التي يعيشها المستمعون مسلوبو الإرادة كالمسحور مثلاً بمثل. وأخراهما-أخرى الصورتي- التشبية الذي انتظم البيت الآخر؛ ليؤكد ذات الصفة. ولم يقلل من ذلك الانسجام إلا التعارض -الذي لا يصل حد التناقض- بين لفظي العموم الموجودين في الشطر الأول من البيت الأول والشطر الأول من البيت الآخر.

في الشطر الأول من البيت الأول يقول الشاعر:"سحر الجميع بصوته الفتان". هنا نجد المبالغة وصلت حد عدم الاستثناء، فدل ذلك على العموم المطابق كل المستمعين، وهذا ينسجم مع فن المديح الذي يقوم على رؤية القارئ –موضوع التجربة الشعرية- جديرًا ببناء شعري يختص به. وفي الشطر الأول من البيت الآخر يقول: "بترنم ذهل الكثير محسنه". تراجع الشاعر –هنا- عن تعميمه المطابق كل المستمعين؛ وذلك باستثناء القليل الذي جعل "الجميع" "الكثيرة"، وذلك رغم أن "الذهول"-المصاحب للكثير- أخف من "السحر"-المصاحب للجميع-؛ فكيف يكون الصوت العادي ساحرًا للجميع، ويكون الصوت المترنم مذهلاً للكثير؟!!

إن هذا يدفعنا إلى مساحة دلالية غير مقصودة من الشاعر تأكيدًا. ما هي؟ هي أن صوت الشيخ القارىء الخام الذي منحه الله إياه ساحرا؛ لكنه إذا بدأ يلون ذلك الصوت ويتدخل في طبقاته ونغماته أفسد ذلك السحر وقلل الأثر. والمعهود والطبيعي أن تكمل الدراسة الصاقلة الخامة الجيدة؛ فلا بد أن يكون الأداء مدعما للصوت وحاملاً إياه إلى أقصى قم الوصول. إن هذا خلل معنوي لم يفطن إليه الشاعر لعدم وقوفه تحليليًّا أمام الرؤية العامة التي يكونها مجموع كلماته.

وبعد؛ فهذا نموذج أقدمه للرؤية التحليلية الفنية المبنية على استقراء النص استقراء يفجر طاقات إيحاءاته ويعللها فنيًّا بالاستعانة بالأدوات اللغوية والفنية. ولعله بذلك يمنع التعليقات التلغرافية غير الفنية، ولعله يدفع الآخرين إلى محاولة تعديل الفكر من فكر نقدي جزئي إلى فكر تحليلي بناء يحمل سمات الإيجاب والسلب.

وأخيرًا؛ لعل الله تعالى يعطيني فسحة من الوقت لإكمال الأبيات بذات المنهج، إنه على كل شيء قدير.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير