تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

في هذا العصر الذي طغت فيه المادة على القيم، ونما العقل على حساب القلب، وتعقدت أنماط الحياة، وكثرت متطلباتها، واستهلك كسب الرزق، معظم الوقت، واختُصر كل شيء، حتى اختصرت الشهور في ساعات والسنون في أيام، وظهرت الحاجة ملحة إلى مطالعات سريعة خفيفة، فتطلع الناس إلى الصحف والمجلات، واستهوتهم الكتيبات، والدوريات، وكأن الناس أرادوا أن يختصروا البحر في قارورة، والبستان في باقة، وضياء الشمس في بارقة، وهزيم الرعد في أغرودة، وبحثوا عن فن أدبي يدور معهم أينما داروا، ويرافقهم حيثما ساروا، ويكون معهم في حلِّهم وترحالهم، وأحزانهم وأفراحهم في لهوهم وجدِّهم، يعبر عن نشاطهم العقلي، وعن اضطرابهم النفسي كذلك اختصرت الكتب في مقالات، فجاءت بلسماً شافياً لمرض العصر ودواءً لضيق الوقت، فكانت المقالة من أوسع الفنون الأدبية انتشاراً؛ لأنها أقلها تعقيداً وأشدها وضوحاً، وأكثرها استيعاباً، لشتى الموضوعات وأيسرها مرونة على الكاتب، وأسهلها هضماً على القارئ.

****

عناصر المقالة:

المادة والأسلوب والخطة.

فالمادة هي مجموعة الأفكار، والاراء، والحقائق، والمعارف والنظريات، والتأملات، والتصورات، والمشاهد، والتجارب والأحاسيس، والمشاعر، والخبرات التي تنطوي عليها المقالة، ويجب أن تكون المادة واضحة، لالبس فيها ولا غموض، وأن تكون صحيحة بعيدة عن التناقض، بين المقدمات والنتائج، فيها من العمق ما يجتذب القارئ، وفيها من التركيز ما لا يجعل من قراءتها هدراً للوقت، وفيها وفاء بالغرض، بحيث لا يُصاب قارئها بخيبة أمل، وأن يكون فيها من الطرافة والجدة بحيث تبتعد عن الهزيل من الراي، والشائع من المعرفة والسوقي من الفكر، وفيها من الإمتاع، بحيث تكون مطالعتها ترويحاً للنفس، وليس عبئاً عليها.

إن مهمة الكاتب ليست في إضعاف النفوس، بل في تحريك الرؤوس وكل كاتب لايثير في الناس رأياً، أو فكراً، أو مغزى يدفعهم إلى التطور، أوالنهوض، أو السمو، على أنفسهم، ولا يحرك فيهم غير المشاعر السطية العابثة، ولا يقرُّ فيهم غير الاطمئنان الرخيص، ولا يوحي إليهم إلا بالإحساس المبتذل، ولا يمنحهم غير الراحة الفارغة ولا يغمرهم إلا في التسلية، والملذات السخيفة التي لا تكوِّن فيهم شخصية ولا تثقف فيهم ذهناً، ولا تربي فيهم رأياً، لهو كاتب يقضي على نمو الشعب، وتطور المجتمع.

الأسلوب:

وهو الصياغة اللغوية، والأدبية لمادة المقالة، أو هو القالب الأدبي الذي تصب فيه أفكارها، ومع أن الكتَّاب تختلف أساليبهم، بحسب تنوع ثقافاتهم، وتباين أمزجتهم، وتعدد طرائق تفكيرهم، وتفاوتهم في قدراتهم التعبيرية، وأساليبهم التصويرية، ومع ذلك فلا بد من حدٍّ أدنى من الخصائص الأسلوبية، حتى يصح انتماء المقالة إلى فنون الأدب.

فلا بد في أسلوب المقالة من الوضوح لقصد الإفهام، والقوة لقصد التأثير، والجمال لقصد الإمتاع، فالوضوح في التفكير، يفضي إلى الوضوح في التعبير، ومعرفة الفروق الدقيقة، بين المترادفات ثم استعمال الكلمة ذات المعنى الدقيق في مكانها المناسب، سبب من أسباب وضوح التعبير ودقته (لمح ـ لاح ـ حدَّج ـ حملق ـ شخص ـ رنا ـ استشف استشرف) ووضوح العلاقات، وتحديدها في التراكيب سبب في وضوح التركيب، ودقته، فهناك فرق شاسع بين الصياغتين (يُسمح ببيع العلف لفلان ـ يسمح لفلان ببيع العلف).

والإكثار من الطباق يزيد المعنى وضوحاً، وقديماً قالوا: (وبضدها تتميز الأشياء) الحرُّ والقرُّ، والجود والشحُّ، والطيش والحلم واستخدام الصور عامة، والصور البيانية خاصة، يسهم في توضيح المعاني المجردة، مثال ذلك:

الأدب اليوم عصاً بيد الإنسانية، بها تسير لامرود، تكحل به عينها وهو نور براق، يفتح الأبصار، وليس حلية ساكنة بديعة تزين الصدور.

****

والقوة في الأسلوب:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير