تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لو أخذت مادة (ح ر م)، وقلَّبتها على الاشتقاق الأكبر، لظهر لك منها ستُّ مواد: (حرم، حمر، مرح،محر، رحم، رمح) وكل هذه المواد مستخدم في لغة العرب، فلو رجعت إلى أي معجم من معاجم العرب الكبرى؛ كلسان العرب لابن منظور، لوجدت لكل مادة من هذه المواد اشتقاقًا أصغر، فلو أخذت (حرم) لوجدت من الاشتقاق الأصغر لهذه المادة الشيء الكثير: (حرَّم، أحرم، يحرم، يحرِّم، إحرام، حرام، حُرمة، حرمات .... ).

وهنا تنبيهات:

الأول: أن الباحثين اختلفوا هل أصل الكلمات ثنائي أو ثلاثي، والخلاف لا يؤثر على الفكرة التي طرحتها لك؛ لأن الأصل الثلاثي كثير جدًّا، مما يجعل القول بأنه أصل في كثير من ألفاظ اللغة صحيح بلا ريب، ووجود بعض الكلمات يكون أصلها ثنائي لا يعني ان كل ألفاظ اللغة كذلك.

الثاني: أن بعض المواد أسعد من غيرها في كثرة الاشتقاق الأصغر، فلو نظرت إلى ما اشتقه العرب من (حرم) لوجدته أكثر من اشتقاقاتهم لمادة (محر).

الثالث: أن تقليب الكلمة على الاشتقاق الأكبر يُظهر أن بعض المواد لم تستخدمه العرب، وعدم استخدامها لا يلزم منه عدم وجوده في لغات سابقة لها، ولها علاقة بها.

الرابع: أن بعض المواد تُستخدم في منطقة أكثر من استخدامها في منطقة أخرى. وكل هذه الأمور تظهر بالاستقراء والموازنة.

والمقصود أنَّ البحث التاريخي في اللغات يثبت ثراء العربية بأحرفها، فهل هي امتداد لتلك (اللغة الاشتقاقية الأم)؟

لننظر المصادر التي يمكن الاعتماد عليها في إثبات ذلك:

ـ القرآن الكريم.

ـ السنة النبوية.

ـ تاريخ العرب وأشعارها.

ـ تفسير السلف ومن جاء بعدهم من العلماء.

ـ أسفار بني إسرائيل.

ـ اللُّقى من أحافير وورق بردى وكتابات على جبال أو صخور أو غيرها.

ـ الدراسات اللغوية المعاصرة الموازنة بين اللغات القديمة، مع ما يشوب بعضها من جهل أو تحريف في بعض الأحيان، وقد يكون تحريفًا مقصودًا يُظهِر خبث طوية صاحبه.

والحق أن هذه الدراسات ـ على ما فيها ـ كانت من مفاتيح إثبات تلك اللغة الاشتقاقية من حيث لا يدري بعض من كتب في الموازنة بين تلك اللغات القديمة، وسيظهر جانب منه في بعض ما سأذكره في هذا الموضوع من معلومات.

ولست أريد في ذكر هذه المصادر أن أبيِّن مدى الاعتماد عليها، وكيف عددناها مصدرًا، وإنما مرادي التنبيه عليها هنا فحسب، مع ملاحظة أن كثيرًا من دارسي اللغات القديمة لا يعتمدون على القرآن والسنة وأخبار العرب (ومنها آثار السلف من الصحابة والتابعين وأتباعهم)، بل لا يرجعون إليها البتة؛ لأن كثيرًا من دارسي هذه اللغات ينطلقون من منطلقات توراتية صهيونية، يريدون بذلك إثبات صحة ما في أسفار بني إسرائيل، والانتصار للصهيونية العالمية فحسب، وليس البحث العلمي الجاد المحايد هو هدفهم الرئيس، وهذا ظاهر من طريقة بحوثهم التي يغلفونها بغلاف البحث العلمي، وفيها من المغالطات في البدهيات فضلا عن غيرها ما فيها.

وليس العجب من هؤلاء أن يكتبوا، فهم بين معتقد لهذه الأفكار مدافعٍ عنها، وبين مدفوع له حسابه، فاشتروه ليقوم بهذا الدور، لكن العجب ممن يملكون حضارة ضاربة بأوتادها في عمق التاريخ كيف ينطلي عليهم مثل هذه الترهات التي تُلبَّس بلباس البحث العلمي؟!

وإن الأمر في هذا لذو شجون، ولا أريد أن أستطرد فيه لكيلا أخرج عن صلب الموضوع الذي أريد أن أوقِّفك عليه.

* كيف سارت اللغة؟

لو نظرت إلى اللغة العربية التي نزل بها القرآن ـ والحديث في تفاريع ذلك يطول ـ لخرجت بفائدة مهمة، وهي ان القرآن ثبَّت اللغة المتداولة آنذاك، فوقفت اللغة العربية على أكمل صورها التي وصلت إليها، وتنادى العلماء لجمعها وحفظها، فكانت علوم العربية الأساسية من لغة ونحو وصرف، وصارت هذه اللغة معيارية يقاس عليها، ويوزن بها لمعرفة الصحيح من الضعيف من الباطل، وصار في مصطلحات العلماء اللغة الكثيرة، واللغة القليلة، واللغة الشاذة ... الخ.

ومع ثراء ما جمعه اهل اللغة إلا أنهم لم يستطيعوا جمع كل كلام العرب، بل ندَّ عنهم منه شيء بشهادة جمع من العلماء المعتنين بهذا الشأن؛ كأبي عمرو بن العلاء، والكسائي، أبي عبيد القاسم بن سلام، وغيرهم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير