تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهناك تأويلات ألفاظ قائمة على وجوه فكهة يمكن حملها على النحت، وذلك كالذي أورده الجاحظ (ت 255 هـ) عن أبي عبد الرحمن الثوري، إذ قال لابنه: "…أي بني، إنما صار تأويل الدرهم، دار الهمّ، وتأويل الدينار، يدني إلى النار" ومنه: "كان عبد الأعلى إذا قيل له: لم سمّي الكلب سلوقيا؟ قال: لأنه يستل ويلقى، وإذا قيل له: لم سمّي العصفور عصفوراً؟ قال: لأنه عصى وفرّ".

هذا، وحين نستعرض الشواهد الصحيحة المرويّة عن العرب في النحت لانكاد نلحظ نظاماً محدّداً نشعر معه بما يجب الاحتفاظ به من حروف وما يمكن الاستغناء عنه. وليس يشترك بين كلّ تلك الأمثلة سوى أنّها في الكثرة الغالبة منها تتّخذ صورة الفعل أو المصدر، وأنّ الكلمة المنحوتة - في غالب الأحيان- رباعيّة الأصل.

ومن أشهر الأمثلة الرباعيّة الأصول ما يلي:

كلمة منحوتة من كلمتين مثل "جعفل" "أي" جعلت فداك "وكذلك "جعفد" منحوتة من نفس الكلمتين في بعض الرّوايات.

كلمة منحوتة من ثلاث كلمات مثل: "حيعل" أي قال: "حي على الفلاح".

كلمة منحوتة من أربع كلمات مثل: "بسمل" أي قال: "بسم الله الرحمن الرحيم". أو ربّما كانت هذه الكلمة منحوتة من كلمتين فقط هما "بسم الله".

أكبر عدد من الكلمات التي نحت منها كلمة واحدة هو ذلك القول المشهور "لا حول ولا قوة إلاّ بالله فقيل من هذه العبارة: "حوقل" أو "حولق".

هـ - مذهب ابن فارس في النحت:

لقد استهوت ابن فارس فكرة النحت وطبّقها على أمثلة كثيرة في كتابه "مقاييس اللغة" فخرج علينا بنظرية مفادها: أنّ أكثر الكلمات الزّائدة على ثلاثة أحرف، منحوت من لفظين ثلاثيين.

يقول ابن فارس في كتابه "مقاييس اللغة": "إعلم أنّ للرّباعي والخماسي مذهبا في القياس، يستنبطه النظر الدقيق؛ وذلك أنّ أكثر ما تراه منه منحوت، ومعنى النّحت: أن تؤخذ كلمتان وتنحت منهما كلمة تكون آخذة منهما جميعا بحظ. والأصل في ذلك ما ذكر الخليل من قولهم: حيعل الرجل إذا قال: حيّ على"

كما يقول ابن فارس في كتابه "الصاحبي":

"العرب تنحت من كلمتين كلمة واحدة، وهو جنس من الاختصار ... وهذا مذهبنا في أن الأشياء الزائدة على ثلاثة أحرف فأكثرها منحوت. مثل قول العرب للرجل الشديد "ضِبَطْر" من ضَبَطَ وضَبَرَ"

مما سبق؛ نستنتج -كما استنتج أحد الباحثين من قبل -بأن ابن فارس مسبوق في نظريته؛ حيث يشتم من نصّه في المقاييس بأن الخليل بن أحمد قد سبقه في مذهبه المذكور وأنّه يسير على طريقته في ذلك.

و - موقف المحدثين من النحت:

يقول الدكتور صبحي الصالح: "ولقد كان للنحت أنصار من أئمة اللغة في جميع العصور، وكلّما امتدّ الزمان بالناس ازداد شعورهم بالحاجة إلى التوسّع في اللغة عن طريق هذا الاشتقاق الكبّار، وانطلقوا يؤيدون شرعية ذلك التوسع اللغوي بما يحفظونه من الكلمات الفصيحات المنحوتات.

ولكن النحت ظلّ -مع ذلك- قصّة محكيّة، أو رواية مأثورة تتناقلها كتب اللغة بأمثلتها الشائعة المحدودة، ولا يفكر العلماء تفكيراً جدياً في تجديد أصولها وضبط قواعدها، حتى كانت النهضة الأدبية واللغوية في عصرنا الحاضر؛ وانقسم العلماء في النحت إلى طائفتين:

طائفة تميل إلى جواز النحت والنقل اللّفظي الكامل للمصطلحات.

وطائفة يمثّلها الكرملي حيث يرى: (أن لغتنا ليست من اللّغات التي تقبل النحت على وجه لغات أهل الغرب كما هو مدوّن في مصنفاتها. والمنحوتات عندنا عشرات، أمّا عندهم فمئات، بل ألوف، لأنّ تقديم المضاف إليه على المضاف معروفة عندهم، فساغ لهم النحت. أما عندنا فاللغة تأباه وتتبرأ منه)

وقد وقف الدكتور صبحي الصالح من الطائفتين موقفاً وسطاً حيث يقول: "وكلتا الطائفتين مغالية فيما ذهبت إليه؛ فإن لكلّ لغة طبيعتها وأساليبها في الاشتقاق والتوسّع في التعبير. وما من ريب في أنّ القول بالنحت إطلاقا يفسد أمر هذه اللغة، ولا ينسجم مع النسيج العربي للمفردات والتركيبات، وربّما أبعد الكلمة المنحوتة عن أصلها العربي. وما أصوب الاستنتاج الذي ذهب إليه الدكتور مصطفى جواد حول ترجمة (الطب النفسي الجسمي psychosomatic)، فإنّه حكم بفساد النّحت فيه (خشية التفريط في الاسم بإضاعة شيء من أحرفه، كأن يقال: "النفسجي" أو النفجسمي" ممّا يبعد الاسم عن أصله، فيختلط بغيره وتذهب الفائدة المرتجاة منه".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير