[أجمل حمار]
ـ[وائل النوري]ــــــــ[01 - 12 - 05, 03:21 م]ـ
[أجمل حمار]
لاضير إذا استمرأت الفكاهة، وجعلت هذه الكلمة جَماما من سفاهة وقبح ما تسود به بعض جرائدنا صفحاتها، ولكل مقام مقال.
أقول أبشر يا توما الحكيم، واضحك من غير عجب، وابك من غير سبب،فقد ابتلى الله أقواما عندنا بسفاسف الأمور، إذ غدا حمارك الفاره أجمل الحمير، فلينهق مفتخرا بصوته النكير، وليضرب بقوائمه الرشيقة الأرض طربا من غير خجل فوجهه الوجه المليح.
أو ليس فيه خال به نال المديح؟!
فليقل معتزا:
لم أر وجها حسنا منذ دخلت اليمنا
فيا شقاء بلدة أحسن من فيها أنا
ظلما من قال عن حمارك أبي جحش: بئس المطية إن أوقفته أدلى، وإن تركته ولى، كثير الروث، قليل الغوث، سريع إلى القرارة، بطئ إلى الغارة، لا ترقأ به الدماء، ولا تمهر به النساء، ولا يحلب فى الإناء.
بعض الناس عندنا سنوا سنة "حميرية " على غرار السنة العلمانية "أجمل امرأة" فأرسلوها "أجمل حمار".
فلما علم بذلك!! حمار الحوائج وحمار السقي وحمار الحرث وكانوا في نكد وضنك، اجتمعوا من كل حدب وصوب .. نعم! فقد أصبح لهم شأن دون ما عرفوا به فقد أصبحوا "فاعلين في المجتمع المدني" .. سبحان الله!! يا له من إدماج!!.
فلم يبق حمار مريض ولا هرم حسير إلا زفر .. ونهق .. ثم شهق أسفا على تبن رطب، وماء عذب.
وحمار بكت عليه الحمير دق حتى به الذباب يطير
كان فيما مضى يقوم بضعف فهو اليوم واقف لا يسير
كيف يمشى وليس يعلف شيئا وهو شيخ من الحمير كبير
يأكل التبن في الزمان ولكن أبعد الأبعدين عنه الشعير
عاين القت مرة من بعيد فتغنى وفى الفؤاد سمير
ليس لي منك يا ظلوم نصير أنا عبد الهوى وأنت أمير
ثم علا الجو النهيق والشهيق.
كحمار السوء إن أشبعته رمح الناس وإن جاع نهق
فالتد القوم وطربوا بأنكر الأصوات، وعند الخنازير تنفق العذرة ... ثم بعد جهد جهيد وتعب مضني من تمييز وتمحيص وأخذ ورد ومداولة ونقض وإبرام فاز الحمار .. فكان هذا الحمار من الحمير حمار.
عفوا أيها القارئ النجيب لقد أكثرت عليك فإن من شر البلية والرزية ما يضحك .. ثم يبكي.
علام يضحكون؟!
لقد كثر بهم الفساد، وساد بهم السفاد، واشتد بهم القواد، فلا الأمة نصروا .. بل خذلوا، ولا الشعوب أحيوا .. بل أماتوا ودفنوا.
اتركوا الحمار فما مدح إلا بالصبر والطاعة .. لا بالعيون والقامة.
واتركوا الناس ودينهم، هم أحوج إلى الصلاح منهم إلى اللهو وتتبع الحمير الملاح.
وإني أعلم أن القوم لا يرعوون وعن غيهم لا يرجعون، فذاك خط سطروه، وبالليل دبروه، وبالنهار بلا وجل ولا خجل أذاعوه.
قال المتنبي:
ومن البلية عذل من لا يرعوي عن جهله وخطاب من لا يفهم
فقْْرُ الجهول بلا عقل إلى أدب فقْرُ الحمار بلا رأس إلى رَََسن
(الرسن: الحبل)
وأخيرا أوصيهم بالبغل خيرا، فإنه ابن الحمار، والابن صنو أبيه، وأخشى من أخلاقه عليهم، قال الجاحظ: لما كان البغل من الخلق المركب والطبائع المؤلفة والأخلاق المختلفة تكون في أخلاقه العيوب الكثيرة المتولدة من مزاجه شر الطباع مما تجاذبته الأعراق المتضادة والأخلاق المتفاوتة والعناصر المتباعدة، فليقيموا له عرسا وليزوجوه بالغزال، فإن تم الأمر وباض الفيل، فذاك هجين "الأحداث"، وإن من نعم الله تعال علينا أن وسع في أحوال الحمقى ليعتبر العقلاء بالداء.
وأقول إن عادت العقرب عدنا لها، ولله الأمر من قبل ومن بعد. والله المستعان.