تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولتوضيح أبرز ملامح منهجه في هذا الكتاب، وكيف تعرض للمسائل النحوية، ذلك ما ذكره في (باب الابتداء) فقد فتحه ببيت للفرزدق:

يداك يدٌ احداهما النيلُ كلّه وراحتك الأخرى طعانٌ تغامره

ثم تكلم أولا على إفراد (يد) والمراد بها التثنية، لأنها خبر عن مثنى وهو (يداك) , ثم تحدث عن وضع (الراحة) مكان (اليد)،واستطرد إلى وضع (الكف) موضع (اليد) في شعر آخر، ووضع (الجارة) موضع (الابنة)، ثم تكلم على شيء من الفاعل، ومن سياق شرح ألفاظ البيت تحدث عن التباس المصدر بالجمع،ثم استطرد إلى وضع المفرد موضع التثنية، ووضع المفرد موضع الجمع، وتكلم على الحمل على المعنى، وضمير الفصل واختلافهم في إعرابه، ثم ذكر شواهد أخرى من الابتداء والخبر، يقضي ظاهر الكلام بتعيين جزء من الكلام فيها للخبرية، لكن المعنى يأباه ويرده، وخلُص إلى ذكر أشياء من الظروف والصفات والأحوال والتعلق، والحذف والزيادة، وعود الضمير،وإيقاع الماضي موقع المستقبل، وإيقاع المستقبل موقع الماضي، والاتساع في وقوع المعاني على الأعيان.

ولا بد من الإشارة إلى أن الاستطراد الذي يعد عماد هذا الكتاب، وهو سمة أبي علي في كتبه (الشيرازيات والحلبيات والحجة) (22)

موقفه من القياس:

لقد كان الفارسي مقدرا للسماع،إذ يجعله أصلاً ويرى أن القياس يكون على المطرد الشائع منه، وأساس الاطراد هو موافقة الشيء لنظائره الكثيرة في اللغة، وشيوع استعماله بين الغرب، لذا فانه إذا رأى قياسين في ظاهرة أو حكم فاضل بينهما وقدم احدهما على الآخر،وعلى الرغم من ان كليهما جارٍ على لغة العرب الفصيحة التي لا يشوبها خلل أو ضعف، ويبدو الفارسي منطقيا وذواقا في اختياره للقياس الأفضل،إما لأنه يجاري طبيعة اللغة في تركيبها على الأصل الذي جرت عليه، أو لأن ذلك القياس اظهر في وضوح وجه الدلالة في تفضيله.

وتميزت مقاييس الفارسي بأنها ارتبطت ارتباطا وثيقا باللغة وبالتفكير العقلي، ولا يستغرب ذلك من أبي علي،لأنه كان ممن عنوا بالفقه، فجاءت مقاييسه على حد مقاييس الفقهاء،فالمفاهيم التي احتوتها تنم على منحى منطقي وفقهي، وألفاظ الشياع والاجتماع والشواذ والاقيس تدل على أنها اثر من آثار مصطلحات الفقه، وقد جاءت غالبا مدعومة بالبرهان العقلي. والخلاصة أن القياس يبدو عند الفارسي منهجا متكاملا يتكون من مجموعة قوانين يلتزم بها،فقد كان يعيب على ابن كثير انه لا يستمر على قياس واحد. (23) ولعله من لصيف المصادفات أن يعاصر نشوء مدرسة القياس في النحو مدرسة أخرى في الفقه تشابهها، هي مدرسة الرأي التي رفع بنيانها أبو حنيفة (150هـ).

ومن الجدير بالذكر أن كل العلوم التي تفرع إليها الفكر العربي في الدراسات اللغوية على اختلاف أنواعها ومسالكها،نشأت نشأة إسلامية خالصة،إذ بدا لنا أن أسسها قد وضعت في العصر الأموي قبل حدوث الاتصال الثقافي الواسع المؤثر بين العرب وغيرهم، وهذا الحكم ينطبق على النحو العربي وما تفرع عنه من الأصول كالقياس والعلة وغيرها.

هذه ملامح القياس كما بدت في مؤلفات الفارسي منهجا متكاملا، يقوم على انظر الى قواعد العربية واستنباط القوانين ثم قياس الظواهر والأحكام ليغدو النحو كله قائما عليه. ولعل الأصل الثاني الذي يرتبط بالقياس ويتفرع عنه التعليل، وذلك لان الأصل كان يشكل الجامع بين المقيس والمقيس عليه، فقد نشأ مرافقا للقياس وتطور بتطوره.

مظاهر القياس عند الفارسي:

أولاً: الدقة في تتبع القياس:

ونجد أن أبا علي يتابع المسألة أحيانا ويوسع البحث ليبين لنا المسألة التي تدخل فيها القياس من غيرها، ففي تعليله لحذف الياء من (فُعيلة) و (فَعيلة) في النسب نجده يتابع البحث في المسألة ليتوصل إلى أن ما حصل بها ليس بالقياس" فأما حذف الياء من (سُليم) في النسب، وهو قولهم (سُلَميّ) فهو مثل الإضافة إلى (هذيل): (هذليّ)، والى (قريش): (قرشيّ). وليس الحذف بالقياس، لأن الاسم إنما لحقه تغيير واحد والتغيير الواحد في الاسم قد لا يستنقلونه، فلا يعتدون به ". (24)

ويرفض أن تكون هذه المسألة _ حذف الياء من سُليم_ من باب القياس على مسألة حذف الياء من (فُعَيلة) و (فَعيلة) للتعليل الذي قدمه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير