تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[هل العلم هو المعرفة]

ـ[عبدالعزيز بن سعد]ــــــــ[30 - 01 - 06, 11:21 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الفرق بين العلم والمعرفة

نجد كثيرا من العلماء لا يفرقون بين العلم والمعرفون فيطلقون أحدهما على الآخر، ففي مختار الصحاح (بتحقيق محمود خاطر):189: وعلم الشيء بالكسر يعلمه علما عرفه.

وفي اللسان 12/ 418: العلم ضد الجهل، ثم قال: علمت الشيء بمعنى عرفته وخبرته.

وقال ابن منظور في لسان العرب 9/ 236 (طبعة دار صادر): عرف العرفان العلم، ثم نقل عن ابن سيده قوله: وينفصلان بتحديد لا يليق بهذا المكان.

وهذا يدل على وجود فرق بين العلم والمعرفة، ومحصل ما وجدته من كلام أهل العلم في الفرق بين العلم والمعرفة ما يلي:

قال القرطبي في الجامع في أحكام القرآن (طبعة الشعب) 1/ 439: قوله تعالى (ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت) علمتم معناه عرفتم اعيانهم وقيل علمتم أحكامهم.

والفرق بينهما أن المعرفة متوجهة إلى ذات المسمى والعلم متوجه إلى أحوال المسمى فإذا قلت عرفت زيدا فالمراد شخصه وإذا قلت علمت زيدا فالمراد به العلم بأحواله من فضل ونقص فعلى الأول يتعدى الفعل إلى مفعول واحد وهو قول سيبويه علمتم بمعنى عرفتم وعلى الثاني إلى مفعولين وحكى الأخفش ولقد علمت زيدا ولم أكن أعلمه وفي التنزيل لا تعلمونهم الله يعلمهم كل هذا بمعنى المعرفة.

وفي التعاريف للمناوي بتحقيق الداية /511: العرفان كالمعرفة إدراك الشيء بتفكر وتدبر فهو أخص من العلم ويقال فلان يعرف الله ولا يقال يعلم الله لما كانت المعرفة تستعمل في العلم القاصر المتوصل إليه بتفكر ويضاد المعرفة الإنكار والعلم الجهل والعارف المختص بمعرفة الله ومعرفة ملكوته وحسن معاملته تعالى

وقال المرزوقي في شرح ديوان الحماسة:

وقال آخر:

أما يستفيق القلب إلا انبرى له توهم صيف من سعاد ومربع

أخادع عن أطلالها العين إنه متى تعرف الأطلال عينك تدمع

عهدت بها وحشاً عليها براقه وهذي وحوش أصبحت لم تبرقع

... المراد: لا يحدث القلب بالسلو والإقامة مما تداخله من علائق حب هذه المرأة، وتشبث به فألهاه عن كل شيء، إلا اعترض له تذكر مصيف ومربع من أرضيها بعد التوهم. كأنه كان يقف على منازلهم فيتوهمها بآياتها وعلاماتها، ثم يعرفها. وأكثر ما يذكرون التوهم في الديار يعقبونه بالعرفان دون العلم. وهذا أحد ما نفصل به بين العلم والمعرفة، ولهذا وأشباهه ممتنع من أن نصف الله تعالى بأنه عارف. لذلك، قال زهير:

فلآياً عرفت الدار بعد توهم

وأشباهه كثير.

وقال أبو حيان التوحيدي في المقابسات: في المقابسة السبعون

وسألته عن الفرق بين المعرفة والعلم؟ فقال: المعرفة أخص بالمحسوسات والمعاني الجزئية: والعلم أخص بالمعقولات والمعاني الكلية.

قال غيره: ولهذا يقال في الباري: يعلم، ولا يقال يعرف ولا عارف.

وقال العسكري في الفروق ص 62: المعرفة أخص من العلم لأنها علم بعين الشيء مفصلا غما سواه، والعلم، يكون مجملا ومفصلا، ... ، والعلم يتعدى إلى مفعولين ليس لك الاقتصار على أحدهما، إلا أن يكون بمعنى المعرفة كقوله تعالى:" لا تعلمونهم الله يعلمهم".

وقال الطوفي في شرح مختصر الروضة 1/ 174: وقيل المعرفة تستدعي سابقة جهل بخلاف العلم.

وأهل التصوف يستعملون لفظة العارف كثيرا، ومعرفة مصطلحاتهم من باب معرفة الفرق المخالفة لأهل السنة، وقد درج أهل السنة على دراسة تلك الفرق للرد عليها. ففي ترجمة أبي جعفر الحداد من حلية الأولياء: وحكى عنه أحمد بن النعمان أنه قال: كنت جالساً على بركة بالبادية فيها ماء وقد مر على ستة عشر يوماً لم آكل ولم أشرب، فانتهى إلي أبو تراب فقال لي: ما جلوسك ههنا؟ فقلت: أنا بين المعرفة والعلم أنتظر ما يغلب علي فأكون معه. فقال أبو تراب: سيكون لك شأن.

وقال ابن عربي الصوفي رأس الحلولية في في باب 441 من الفتوحات المكية: اعلم أن الله قد فرق بين العارفين العلماء بما وصفهم به وميز بعضهم عن بعض فالعلم صفته والمعرفة ليست صفته فالعالم إلهي والعارف رباني من حيث الاصطلاح وإن كان العلم والمعرفة والفقه كله بمعنى واحد لكن يعقل بينهما تميز في الدلالة كما تميزوا في اللفظ فيقال في الحق أنه عالم ولا يقال فيه عارف ولا فقيه وتقال هذه الثلاثة الألقاب في الإنسان وأكمل الثناء تعالى بالعلم على من اختصه من عباده أكثر مما أثنى به على العارفين فعلمنا أن اختصاصه بمن شاركه في الصفة أعظم عنده لأنه يرى نفسه فيه فالعالم مرآة الحق ولا يكون العارف ولا الفقيه مرآة له تعالى وكل عالم عندنا لم تظهر عليه ثمرة علمه ولا حكم عليه علمه فليس بعالم وإنما هو ناقل

ثم قال: واعلم أن العارفين هم الموحدون والعلماء وإن كانوا موحدين فمن حيث هم عارفون إلا أن لهم علم النسب فهم يعلمون علم أحدية الكثرة وأحدية التمييز وليس هذا لغيرهم وبتوحيد العلماء وحد الله نفسه إذ عرف خلقه بذلك ولما أراد الله سبحانه أن يصف نفسه لنا بما وصف به العارفين من حيث هم عارفون جاء بالعلم والمراد به المعرفة حتى لا يكون لإطلاق المعرفة عليه تعالى حكم في الظاهر فقال لا تعلمونهم الله يعلمهم فالعلم هنا بمعنى المعرفة لا غير

ثم قال: وإنما قلنا في العارف أنه رباني فإن الله لما ذكر من وصفه بأنه عرف قال عنه إنه يقول في دعائه ربنا لم يقل غير ذلك من الأسماء وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه مثل ذلك من عرف نفسه عرف ربه وما قال علم ولا قال إلهه

وفي الحقيقة: لم أفهم من كلامه شيئا ذا بال!!

وفي فيض القدير للمناوي (طبعة المكتبة التجاري 1356هـ) 4/ 371:

فائدة اعتذر ابن عربي عن تسمية الصوفية العالم عارفا ولم يسموه عالما مع أنه أولى لاستعماله في النصوص بأن الغيرة غلبت عليهم لما رأوا اسم العالم يطلق عرفا على كل من حصل عنده علم كيفما كان ويكون قد أكب على الشهوات وتورط في الشبهات بل وفي المحرمات فأدركتهم الغيرة أن يشاركهم البطال في اسم واحد وقد شاع ذلك وذاع ففرقوا بين المقامين بأن خصوا اسم المعرفة بهذا المقام العلي والمعنى واحد في العلم والمعرفة.

هذا ما تيسر جمعه، والله أعلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير