المقامَة الحديثيّة (دعوة إلى المشاركة)
ـ[إبراهيم نجم]ــــــــ[02 - 03 - 06, 01:42 ص]ـ
شاركنا في أي بيت يمدح فيه الحديث وأهله
{وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى}
من زار بابك لم تبرح جوارحه ...... فالعين عن قرةٍ والكف عن صلة
تروي أحاديث ما أوليت من منن ...... والقلب عن جابر والسمع عن حسن
جاءني عطاء الله السمرقندي، فبات عندي، وكان أحد المحدثين، ويكره الُمحْدِثين في الدين، فقلنا: أيها الإمام، عليك السلام: الوقت حثيث، فحدثنا عن علم الحديث، فتأوّه ثم قال: مات حفاظه، فكادت تنسى ألفاظهُ،، وأهل الحديث هم الركب الأخيار، أحباب المختار، قوم تصدقوا بالأعمار على الآثار، وقضوا الحياة في الأسفار، لجمع كلام صفوة الأبرار:
في كل يوم لنا في الأرض مرتحل ...... نغدو بدار ونمسي بعد في دار
شدّوا العمائم، وجدّوا في العزائم، وتسلحوا بالصبر الدائم، فلو رأيتهم وقد فتحوا الدفاتر، وقربوا المحابر، وكتبوا: حدثنا مسدّد بن مسرهد، أو رواه أحمد في المسند، أو أخرجه البخاري، وشرحه في فتح الباري، لهانت عندك الدنيا بما فيها، وركبت سفينة الحديث وناديت باسم الله مجراها. ولأقبلت على العلم والكتب، وهجرت اللهو واللعب، واللغو والطرب.
يفوح من فم المحدث المسك التِّبتي، لأن عليه سيماء (نضَّر الله، امرأً سمع مني مقالتي) أنفاس المحدثين تنضح بالطيب، لأنها حملت اسم الحبيب:
يكون أجاجاً دونكم فإذا انتهى ...... إليكم تلقى طيبكم فيطيب
بنفسي ذاك المحدث إذا جلس على الكرسي، وقد حف به الطلاب، ونشر الكتاب ثم قال: حدثنا محمد بن شهاب، عندها يرتحل قلبك، ويكاد يطير لبك، شوقاً لصاحب التركة، لما جعل الله في كلامه من البركة. فتصبح الدنيا رخيصة مرفوضة، لا تساوي جناح بعوضة، وتشتاق النفوس إلى الجنة، لما غشيتها أنوار السنة.
إني إذا احتوشتني ألف محبرةٍ ...... يكتبن حدثني طوراً وأخبرني
نادت بحضرتي الأقلام معلنة ...... تلك المكارم لا قعبان من لبن
أما أخبار المحدثين في الأسفار، وقطع القفار، وامتطاء البحار، وركوب الأخطار، فقد حفلت به الأسفار. ولكنهم في سفرهم يقرؤون كتاب الكون، في كل حركة وسكون، فإن المحدث يجد المتعة في ارتحاله، والبهجة في انتقاله، من ناد إلى ناد، ومن جبل إلى واد، فهو يعب من المناهل، ويسرح طرفه في المنازل، ويطلق بصره إلى دساكر الأقطار وغياضها، وحدائق الديار ورياضها، فيلمح عجائب البلدان، ويتصفح غرائب الأوطان، ويأنس بنغم الطيور في كل بستان، فهو في تنقل بين حيطان وغيطان، ووديان وأفنان وألوان، تمر به الصور والمشاهد، ويبيت في المساجد، ويعب الماء النمير، من كل غدير، له في كل بلدة أصحاب، وله في كل قرية أحباب.
يفترش الغبراء، ويلتحف السماء، سلم في سفره من أذى الجيران، وضوضاء الصبيان، والثقيل من الإخوان، ينام على الثرا، في العرا، خارج القرى، مركوبه رجلاه، وخادمه يداه، البسمة لا تغادر محياه:
ومشتت العزمات لا يأوي إلى ...... سكن ولا أهل ولا جيرانِ
ألِفَ النوى حتى كأن رحيله ...... للبين رحلته إلى الأوطانِ
قيل للفلاسفة: من سندكم؟ قالوا: ابن سينا عن سرجيس بن ماهان، عن أرسطاليس من اليونان.
وقيل لعلماء الكلام: من سندكم؟ قالوا: محمد بن الجهم من خراسان، عن الجهم بن صفوان.
وقيل للمحدثين: من سندكم؟ قالوا: طاووس بن كيسان، عن ابن عباس ترجمان القرآن، عن الرسول سيد ولد عدنان، عن الرحمن، كان المحدِّث إذا ودّع أولاده، وترك بلاده، وحمل زاده، يجد من راحة البال، وطيب الحال، ما يفوق فرحة أصحاب الأموال، وما يربو على سرور من ملك الرجال.
إذا جمع بعضهم كلام الفلاسفة، أهل الزيغ والسفه، الذي يورث الجدال والمعاسفه، جمع المحدثون كلام الذي ما ضل وما غوى، وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى.
وإذا تفاخر أحدهم بجمع كلام علماء الكلام، أهل الشقاق والخصام، والفرقة والخصام. تفاخر المحدثون بحديث خير الأنام، أزكى من صلى وصام، وحج بالبيت الحرام. قال الشافعي: إذا رأيت محدثا فكأني رأيت أحد أصحاب محمد، قلت: لأن نهجهم مسدد، وعلمهم من الله مؤيد.
¥