قال في حيرة وتردد: يبدو أن النحو في الكتب القديمة، يختلف عنه في الكتب الحديثة. فهذه هي المرة الأولى التي أسمع فيها بمصطلح "الجَرْصَفَةِ".
قال أبو العمرين فرحاً: صدقت .. ولقد خجلت من نفسي حين سمعت الكلمة ولم أفهمها ظاناً أن هذا جهل مني .. ولقد أرحتني أنت الآن، حين أخبرتني بأنك لم تسمع بها من قبل.
قال أبو الرجا: يبدو أننا كلنا في الهوى سَوا.
قال أبو السعود: إن جهلنا بمعنى الكلمة لا يجعلنا نقف عاجزين أمامها. هات أبا العمرين، ناولني "مختار الصحاح" الذي بجانبك، لأنظر إليها في المعجم، وأنهي لكم هذه المشكلة.
نظر أبو السعود في "مختار الصحاح" فلم يجد معنى للكلمة. ثم قام فتناول "القاموس المحيط"، فما وجد المعنى الذي يريد .. ونفخ قليلاً، ثم قال: ليس أمامنا سوى "لسان العرب"، وليس بين أيدينا الآن .. فعلينا أن نتجاوز هذه الكلمة، ونتابع الدراسة كسباً للوقت.
قال أبو الرجا محتجاً: وماذا نستفيد من الدراسة، إذا لم نفهم معاني المصطلحات التي نمر بها الآن .. ؟ ولا سيما إذا كثرت أمامنا الجمل الواقعة في محل "جَرْصَفَةٍ"!
قال أبو العدل، وهو متكئ يسمع مناقشاتهم: أنصحكم بالنوم الفوري والعميق .. قوموا يا أولادي .. قوموا إلى النوم .. الله يرضى عليكم.
قال أبو بشار محتداً: وفّر نصائحك لنفسك، نحن على أبواب امتحان .. فإذا كنت زاهداً في الدراسة، ومستعداً للرسوب، فدعنا نهتم بما يحفظ مستقبلنا.
قال أبو العدل: أخشى على مستقبلكم من فيوضات العبقرية الزائدة التي فجرها في أدمغتكم طبق الفول، فجعلكم تخترعون مصطلحات لم يسمع بها سيبويه، ولا نفطويه، ولا الأخفش، ولا ابن خالويه.
قال أبو العمرين: أبا العدل .. بلا فلسفة فارغة، وفصاحة باردة .. إذا كنت تعرف معنى "الجَرْصَفةِ" فأخبرنا به، وإلا فدعنا نفكر.
قال أبو العدل بهدوء: وكيف تفكر يا بني، وقد جعلك الفول أقرب إلى الوعل منك إلى طالب الجامعة .. ؟ إن الجرصفة التي صدّعت رؤوسكم هي كلمتان، أيها الغلام الذكي، لا كلمة واحدة.
قال أبو بشار مندهشاً: كلمتان .. ؟ كيف؟
قال أبو العدل: كان ينبغي عليك يا فصيح أن تقرأ إعراب الجملة بالشكل التالي: "وهي في محل جَرِّ .. صِفة" أي هي صفة واقعة في محل جر .. أفهمتم يا عباقرة الفول؟
انفجر الجميع في موجة عارمة من الضحك، والصياح، والمزاح. وخلعوا مباشرة على صاحبهم أبي بشار لقب "الإمام الجَرصَفي" .. وظل هذا اللقب ملازماً له، طوال سنوات عدّة .. " انتهى
ـ[عبدالرزاق العنزي]ــــــــ[25 - 12 - 08, 09:09 ص]ـ
جزاك الله خيرا