تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما الحجة الأولى فقد جعلوا فيها حرف العطف نائباً مناب العامل، وهذا غير صحيح، فإن حرف العطف يشرّك ولا ينوب، والصحيح ما ذهب إليه ابن أبي الربيع وغيره من أنه الفعل المتقدم (66)، وأبطل قول من جعل حرف العطف نائباً مناب العامل (67).ولهذا قال الزمخشري في آية الجاثية: " أقيمت الواو مقامهما - يريد (إن) و (في) - فعملت الجر في (اختلافِ الليل والنهار)، والنصب في (آيات)، وإذا رفعت فالعاملان الابتداء، و (في) عملت الرفع في (آيات) والجر في (واختلاف) " (68). تعقَّبه أبو حيان بقوله: " ليس بصحيح، لأن الصحيح من المذاهب أن حرف العطف لا يعمل " (69).

وأما الحجة الثانية (70)، فمردودة من قِبَل أنه لا يلزم من تجويز العطف على معمولي عاملين مختلفين تجويزُ العطف على ثلاثة وأكثر، ولا سيما أن العطف على أكثر من معمولي عاملين مختلفين يفضي إلى اللبس، كالمثال الذي ذكره ابن عقيل. أما العطف على معمولي عاملين فلا لبس فيه.

وأما الحجة الثالثة (71) فيجاب عنها بأن الصحيح أنه العطف على معمولي عاملين مختلفين إذا لم يكن أحدهما جاراً غير مجمع على منعه، بل نُقل عن بعضهم أن العطف على عاملين جائز مطلقاً، ونسب للأخفش (72).

ويجاب عن الحجة الرابعة، وهي أن العطف على عاملين بمنزلة تعديتين، بمعدٍّ واحد بأن حرف العطف ليس بمنزلة المعدِّي، إذا يدخل العاطف على الأسماء والأفعال والجمل، والحرف المعدِّي لايدخل إلا على الأسماء، فالحكم مختلف.

وأعود لأذكر ما يعترض إجاباتهم عن أدلة المجيزين:

أما جوابهم عن آية الجاثية وبعض الأبيات بتقدير الجار فضعيف، لأن العطف على عاملين لا تقدير فيه، وحمل الكلام على ما لا تقدير فيه أولى من حمله على التقدير.

وأما جعلهم (آيات) توكيداً، ففيه أن التوكيد بَعُد عن الموكَّد. وأما النصب على الاختصاص فخلاف الأصل، لأن الأصل في الاختصاص أن يكون للمتكلم، ووقوع الاختصاص بعد ضمير المخاطب قليل (73).

وأما ما وقع فيه المبرد (74)، من تلحين القراءة الثابتة فلا يجوز، ولا سيما أنه قرأ بها إمامان (75).

وأما تقدير (كل) في البيت ففيه ضعف، لأن حذف المضاف وإبقاء عمله ضعيف في القياس، قليل في الاستعمال (76)، وإن كان قد جاء في كلامهم (77)، ولهذا كان حمل البيت على تقدير (كل) أحسن من جعله نادراً أو شاذاً، لأنه ورد في كلام العرب.

وأما رواية البيت بالنصب فلا تتعارض مع رواية الجر، ورواية الجر ثابتة بنقل الثقة.

وأما تأويل سيبويه لبيتي الشني والجعدي فأبطله الأعلم معنفاً سيبويه، فذكر أن العرب تجيز العطف على معمولي عاملين مختلفين بشرط تقدم المجرور في المعطوف والمعطوف عليه، وأن الكلام احتمل الحذف من الثاني لدلالة الأول على المحذوف، ولاتصال المحذوف بحرف العطف القائم مقامه في الاتصال بالمجرور (78).

ثم بيَّن أن حمل البيتين على ما ذهب إليه من جواز العطف أولى من تأويل سيبويه، وأنه لا يُحتاج إلى هذا التأويل من جعله " المنهي كالأمور ورد الضمير المضاف إليه المأمور عليه، لأن المأمور لايكون من المنهيّ بوجه، وإن كان أموراً، وكذلك العَقْر لايجوز أن يضاف إلى ضمير الرد، وإن كان الرد ملتبساً بالخيل، لأنه لامعنى له، إذ ليس الرد بالخيل،ولا العقرُ واقعاً به في التحصيل " (79).

وابن الحاجب وافق الأعلم في جواز هذا العطف بالقيد الذي ذكره الأعلم، ولكن خالفه في العلة فقال: " لأن الذي ثبت في كلامهم ووجد بالاستقراء من العطف على عاملين هو المضبوط بالضابط المذكور فوجب أن يقتصر عليه ولا يُقاس عليه غيره، إذ العطف على عاملين مختلفين مطلقاً خلاف الأصل " (80).

وأما تقدير حرف الجر في بيتي الفرزدق وأبي النجم فتقدم أن الصحيح أن حرف العطف لاينوب مناب العامل، وليس العطف على نية تكرار العامل، وإنما هو للجمع بين الشيئين كما قال المبرد (81).

وأما بيت جميل، وقول رؤبة فيُحملان على التقدير، ليس غير.

وبعد هعذا يترجح - لدي - أن العطف على معمولي عاملين مختلفين جائز، للأدلة التي ذكرها المجيزون، ولضعف اعتراض المانعين إلا في آية سبأ وبيت الإيادي والمَثَل، ومع هذا فالأدلة الباقية كافية في إثبات هذا المذهب وجوازه عن العرب. والله أعلم.


¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير