بل مثل هذا يعود على قائله بالملام. إلا أن يكون له من حسنة وممن يغفر الله له إن شاء. وقد عفا الله عما سلف.
وتعلمون أيضاً: أن ما يجري من نوع تغليظ، أو تخشين على بعض الأصحاب والإخوان: ما كان يجري بدمشق، و مما جرى الآن بمصر، فليس ذلك غضاضة ولا نقصاً في حق صاحبه، ولا حصل بسبب ذلك تغير منا، ولا بغض، بل هو بعد ما عومل به من التغليظ والتخشين، أرفع قدراً، وأبه ذكرا، وأحب وأعظم، وإنما هذه الأمور هي من مصالح المؤمنين، التي يصلح الله بعضهم ببعض، فإن المؤمن للمؤمن كاليدين، تغسل إحداهما الأخرى. وقد لا ينقلع الوسخ إلا بنوع من الخشونة، لكن بنوع من الخشونة، لكن ذلك يوجب من النظافة، والنعومة، ما نحمد معه ذلك التخشين.
وتعلمون: أنا جميعاً، متعاونون على البر والتقوى، واجب علينا نصر بعضنا بعضاً، أعظم مما كان، وأشد، فمن رام أن يؤذي بعض الأصحاب، أو الإخوان، لما قد يظنه من نوع تخشين - عومل به بدمشق، أو بمصر الساعة، أو غير ذلك -: فهو الغالط.
وكذلك، من ظن أن المؤمنين يبخلون عما أمروا به من التعاون و التناصر، فقد ظن ظن سوء ? وإن الظن لا يغنى من الحق شيئاً ? وما غاب عنا أحد من الجماعة، أو قدم إلينا الساعة، أو قبل الساعة، إلا ومنزلته عندنا اليوم أظم مما كانت، وأجل، و أرفع.
وتعلمون - رضي الله عنكم -: أن ما دون هذه القضية من الحوادث يقع فيها من اجتهاد الآراء، واختلاف الأهواء وتنوع أحوال أهل الإيمان، وما لابد منه - من نزعات الشيطان - ما لا يتصور أن يعرى عنه نوع الإنسان. وقد قال تعالى: ? وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولا. ليعذب الله المنافقين و المنافقات، و المشركين و المشركات و يتوب الله على المؤمنين و المؤمنات وكان الله غفورا رحيما ? () بل أنا أقول ما هو أبلغ من ذلك - تنبيهاً بالأدنى على الأعلى، وبالأقصى على الأدنى - فأقول:
تعلمون كثرة ما وقع في هذه القضية من الأكاذيب المفتراة والأغاليط المظنونة، والأهواء الفاسدة، وأن ذلك أمر يحل عن الوصف. وكل ما قيل: من كذب وزور، فهو في حقنا خير ونعمة. قال تعالى:
? إن الذين جاؤا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم ? ().
وقد أظهر الله من نور الحق وبرهانه، ما رد به إفك الكاذب و بهتانه.
فلا أحب أن ينتصر من أحد بسبب كذبه على، أو ظلمه وعدوانه، فإني قدة أحللت كل مسلم. وأنا أحب الخير لكل المسلمين، وأريد بكل مؤمن من الخير ما أحبه لنفسي.
والذين كذبوا وظلموا فهم في حل من جهتي.
وأما ما يتعلق بحقوق الله، فإن تابوا تاب الله عليهم، وإلا فحكم الله نافذ فيهم، فلو كان الرجل مشكوراً على سوء عمله، لكنت أشكر كل من كان سبباً في هذه القضية، لما يترتب عليه من خير الدنيا والآخرة، لكن الله هو المشكور على حسن نعمه وآلائه، وأياديه التي لا يقضي للمؤمن قضاء إلا كان خيراً له.
وأهل القصد الصالح يشكرون على قصدهم، وأ÷ل العمل الصالح يشكرون على عملهم، وأهل السيئات نسأل الله أن يتوب عليهم وأنتم تعلمون هذا من خلقي. والأمر أزيد مما كان وأوكد، لكن حقوق الناس بعضهم مع بعض، وحقوق الله عليهم، هم فيها تحت حكم الله.
وأنتم تعلمون أن الصديق الأكبر في قضية الإفك، التي أنزل الله فيها القرآن، خلف لا يصل مسطح بن أثاثة، لأنه كان من الخائضين في الإفك. فأنزل الله تعالى:
? ولا يأتل أولو الفضل منكم و السعة أن يؤتوا أولى القربى و المساكين و المهاجرين في سبيل الله و ليعفوا و ليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم و الله غفور رحيم ? ().
فلما نزلت قال أبو بكر: بلي، والله إني لأحب أن يغفر الله لي. فأعاد إلى مسطح النفقة التي كان ينفق ".
ومع ما ذكر من العفو والإحسان، وأمثاله، وأضعافه، والجهاد على ما بعث الله به رسوله من الكتاب و الحكمة أمر لابد منه ? فسوف يأتي الله بقوم يحبهم و يحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم. إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة وهم راكعون. ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون ? ().
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
والحمد لله رب العالمين، و صلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما.
وقد بعث الشيخ رحمه الله إلى أقاربه و أصحابه بدمشق كتباً غير هذه.
انتهى النقل عن ابن عبد الهادي
اللهم انصر الحق يا كريم.