بل جهادنا في هذا مثل جهادنا يوم قازان، و الجبلية، و الجهمية، والاتحادية، وأمثال ذلك. وذلك من أعظم نعم الله علينا و على الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
****
ومنها ورقة قال فيها:
ورقة أخرى مما كتبه الشيخ في السجن
ونحن ولله الحمد و الشكر، في نعم عظيمة، تتزايد كل يوم، ويحدد الله تعالى من نعمه نعما أخرى، وخروج الكتب كان من أعظم النعم، فإني كنت حريصاً على خروج شيء منها، لتقفوا عليه، وهم كرهوا خروج الإحنائية، فاستعملهم الله تعالى في إخراج الجميع. وإلزام المنازعين بالوقوف عليه. وبهذا يظهر ما أرسل الله به رسوله من الهدى ودين الحق.
فإن هذه المسائل كانت خفية على أكثر الناس. فإذا ظهرت فمن كان قصده الحق هداه الله، ومن كان قصده الباطل قامت عليه حجة الله، واستحق أن يذله الله و يجزيه.
وما كنبت شيئا من هذا ليكتم عن أحد، ولو كان مبغضا، والأوراق التي فيها جواباتكم غسلت.
وأنا طيب و عيناي طيبتان أطيب ما كانتا.
ونحن في نعم عظيمة لا تحصى ولا تعد، والحمد لله حمداً كثيراً مباركاً فيه.
ثم ذكر كلاما، وقال:
كل ما يقضيه الله تعالى فيه الخير و الرحمة و الحكمة ? إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم القوى العزيز ()، ولا يدخل على أحد ضرر إلا من ذنوبه.
? ما أصابك من حسنة فمن الله، وما أصابك من سيئة فمن نفسك ? ().
فالعبد عليه أن يشكر الله و يحمده دائماً على كل حال، و يستغفر من ذنوبه، فالشكر يوجب المزيد من النعم، والاستغفار يدفع النقم، ولا يقضى الله للمؤمن قضاء إلا كان خيراً له " إن أصابته سراء شكر وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيراً له ".
****
وهذه الورقة كتبها الشيخ وأرسلها بعد خروج الكتب من عنده بأكثر من ثلاثة أشهر: في شهر شوال، قبل وفاته بنحو شهر و نصف.
ولما أخرج ما عنده من الكتب والأوراق، حمل إلى القاضي علاء الدين القونوي، وجعل تحت يده في المدرسة العادلية.
وأقبل الشيخ بعد إخراجها على العبادة والتلاوة و التذكر و التهجد حتى أتاه اليقين.
كتاب الشيخ إلى والدته وإلى غيرها
وقد وقفت على عدة كتب بخط الشيخ، بعثها من مصر إلى والدته، وإلى أخيه لأمه: بدر الدين، وإلى غيرهما.
منها كتاب إلى والدته ببول فيه:
من أحمد بن تيمية إلى الوالدة السيدة، أقر الله عينها بنعمه، وأسبغ عليها جزيل كرمه، و جعلها من خيار إمائه و خدمه.
سلام عليكم، ورجمة الله و بركاته.
فإنا نحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، وهو للحمد أهل، وهو على كل شيء قدير. و نسأله أن يصلى على خاتم النبيين، وإمام المتقين، محمد عبده ورسوله ? وعلى آله وسلم تسليما.
كتابي إليكم عن نعم من الله عظيمة، ومنن كريمة، وآلاء جسيمة نشكر الله عليها، و نسأله المزيد من فضله. و نعم الله كلما جاءت في نمو وازدياد، وأياديه جلت عن التعداد.
وتعلمون أن مقامنا الساعة في هذه الساعة في هذه البلاد، إنما هو لأمور ضرورية متي أهملناها فسد علينا أمر الدين و الدنيا. و لسنا و الله مختارين للبعد عنكم، ولو حملتنا الطيور لسرنا إليكم، ولكن الغائب عذره معه، وأنتم لو اطلعتم على باطن الأمور، فإنكم - و لله الحمد - ما تختارون الساعة إلا ذلك، ولم نعزم على المقام والاستيطان شهراً واحداً، بل كل يوم نستخير الله لنا ولكم، وادعوا لنا بالخبرة، فنسأل الله العظيم أن يخير لنا و لكم و المسلمين، ما فيه الخيرة. في خير وعافية.
ومع هذا فقد فتح الله من أبواب الخير و الرحمة، والهداية والبركة، ما لم يكن يخطر بالبال، ولا يدور في الخيال، ونحن في وقت مهمومون بالسفر، مستخيرون الله سبحانه وتعالى. فلا يظن الظان أنا نؤثر على قربكم شيئا من الدنيا قط. بل ولا نؤثر من أمور الدين،ما يكون قربكم أرجح منه، ولكن ثم أمور كبار، نخاف الضرر الخاص والعام من إهمالها والشاهد يرى ما لا يرى الغائب.
¥