تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[05 - 10 - 06, 09:27 ص]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على نبيه الأمين،وعلى آله وصحبه أجمعين.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ ... ) (سورة البقرة: من الآية 184)

أسلوب الآية جاء لفا لخطابين:

1 - خطاب العزة ذي المقصدية التكليفية.

2 - خطاب الرحمة ذي المقصدية التخفيفية.

ومستهدف الخطاب الأول هو العقل لفهم التكليف.

ومستهدف الثاني الوجدان لإثارة الحس .. والخطابان ملفوفان بحيث تكون الكلمة الواحدة بوجهين: فبينا هي تؤسس التكليف إذ تلمس النفس بلطافة لتخفيف ما تؤسسه ..... والحصيلة أسلوب معجز كما عودنا القرآن.

ننبه أولا أننا لا نقصد بالتخفيف تخفيف الحكم والنزول من العزيمة إلى الرخصة فهذا كله لا يخرج عن الدائرة الفقهية العقلية ولكن نقصد بالتخفيف الظلال الدلالية للكلمة وللتعبير، وما تخلفه في النفس من إحساس بالعزاء والمواساة،وهذا من قبيل الدلالات الإيحائية النفسية المصاحبة لدلالاتها العقلية المعجمية ... وسنقتصر في هذه الخاطرة على توضيح هذه الإيحاءات ولمن أراد الدلالات الفقهية فعليه الرجوع إلى كتب أحكام القرآن ....

إن مقصدية التخفيف يمكن أن تتحقق بمسلكين مختلفين:

-مسلك تهوين المكلف به ...

-مسلك الرفع من همة المكلف ....

فلك أن تقول على الأول:هذه الصخرة خفيفة يمكنك حملها ..

أو أن تقول على الثاني: أنت قوي جدا فكيف تعجزك هذه الصخرة ...

والمسلكان معا متحققان في آية الصوم:

1 - يا أيها .....

اختار الله سبحانه الخطاب المباشر ليكلف عباده، ومن شأن هذه المباشرة الرفع من الهمة والتخفيف من مشقة التكليف ..... فكأن حلاوة الحظوة بالخطاب مما ينسي مرارة ما سيأتي من إلزام ...

والمخاطبة المباشرة كانت دائما من وجوه الإستئناس والرحمة ..... والالتفات في الخطاب أو الانقطاع عنه كانت دائما من وجوه التعنيف والعقاب الشديد:

(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (سورة البقرة: 174)

(قَالَ اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ) (سورة المؤمنون: 108)

2 - ....... الذين آمنوا.

المسلك هنا من نوع رفع الهمة ليبدو التكليف إزاءه هينا لينا .... فالخطاب موجه للصفوة المؤمنة وليس للعموم ... والإنسان بحكم تركيبته الفطرية يحبذ أن يكون متميزا ومنتميا إلى دائرة الصفوة الضيقة ...... ولك أن تقدر تأثير المدرس على تلاميذه-ولله المثل الأعلى-عندما يقدم لهم تمرينا شاقا جدا قائلا: هذا التمرين فقط للنجباء منكم .... فتجد التلميذ يتحمل مشاق الواجب ويستصغره في سبيل أن يكون من زبدة النجباء.

3 - ..... كتب عليكم الصيام.

هذا التعبير معجز من جهة تحقيق مقصدية التخفيف ....... فهو يحققها من ثلاثة وجوه:

-من جهة اختيار مادة "كتب" وتفضيلها على مواد أخرى مثل "فرض" و "وجب" ...

-من جهة اختيار أسلوب الخبر بدل أسلوب الإنشاء.

-من جهة بناء الفعل لما لم يسم فاعله.

الكتابة فيها معنى القضاء والقدر ..... فكأن الآية أشربت الأمر الشرعي بمعنى الأمر التكويني ... وفيه إيحاء بالاعتذار والتودد .... فالأمر مكتوب قد فرغ منه منذ الأزل .....

وهذا المعنى لا يحققه "فرض"أو "وجب" ... لآن النفس قد تتطلع معها إلى رفع التكليف بخلاف "كتب" التي تفيد الانتهاء من المسألة ...

واختيار الخبر يلائم هذا المقصد النفسي .... فقد أجل إنشاء الحكم إلى ما بعد، قياما بحق المقصدية التخفيفية حيث أفسح المجال للتوطئة والتقديم وإيثار ذكرالخبر عن الحكم قبل إنشائه بقوله (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) (سورة البقرة: من الآية 185).

والبناء لما لم يسم فاعله فيه نكتتان:

-الأولى ما ذكره ابن حيان في البحر:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير