تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فقال القلم:أما أنا فأبن ماءِ السماءِ , وأليف الغدير وحليف الهواء، أما أنت فابن النار والدخان وناثرُ الأعمار وخَوَّان الإخوان تفصل ما لا يُفصل وتقطعُ ما أمر الله به أن يُوصَل، لا جرم أن صَعَّرَ السيف خده وصقل قفاه , وسُقيِ ماءً حميماً فَقَطّع مِِعَاه، يا غُرَاب البين , ويا عُدَّة الحْينِ، ويا مُعْتَلّ العين، ويا ذا الوجهين، كم أفنيت وأعدمت؟ وأرملْتَ وأيْتَمْتُ؟

قال السيف:يا ابن الطين! ألست ضامراً وأنت بطين؟! كم جَرَيت بعكس وتصرَّفت في مكس وزَوَّرْت وَّحرفت، و نكّرت وعرّفت، وسَطّرت هجواً وشتما ً، وخلّدت عاراً وذمًّا، أبشر بفرط رَوْعتك، وشدة خِيفتك، إذا قِسْتَ بياض صحيفتي بسواد صحيفتك، فألِنْ خطابك فأنت قصير المدة، وأحسن جوابك فعندي حِدّه، وأقلل من غلظتك، وجبهك، واشتغل عن دم في وجهي بقبيح في وجهك، وإلا فأدنى ضربةٍ مني تروم أرومتك، فتستأصلكَ وتجتثُّ جرثومتَك، فسقياً لمن غاب لك عن غابك، ورعياً لمن لو أهاب بك لسلخ إهابك.

فلما رأى القلمُ السيفَ قد احتد، ألان له من خطابهِ ما اشتد وقال:أما الأدب فيؤخذ عنِّي، وأما اللطف فيُكتسب منِّي، فإن لِنْتَ لنتُ، وإن أحسنتَ أحسنتُ، نحن أهل السمعِ والطاعةِ، ولهذا نجمعُ في الدواةِ الواحدةِ منَّا جماعة، وأما أنتم فأهلُ الحدةِ والخلافِ، ولهذا لا يجمعون بين سيفين في غلاف.

قال السيف:أمَكْراً ودعوى عِفّة؟ لأمرٍ ما جدع قصير أنفه! لو كنتَ كما زعمتَ ذا أدبٍ , لما قابلتَ رأسَ الكاتبِ بعُقدةِ الذنَبِ، أنا ذو الصِّيت والصوتِ، وغِراري لسانَ مشرَفي يرتجل غرائب الموت , أنا مِن مارجٍ مِن نارٍ، والقلم من صلصالٍ كالفخارِ، وإذا زعم القلمُ أنه مثلي، أمرتُ مَنْ يدقُ رأْسه بنعلي.

فقال القلم:صَهْ فصاحبُ السيفِ بلا سعادةٍ، كأعزل.

قال السيف:مهْ فقلمُ البليغِ بغير حظٍ مغزل.

فقال القلم:أنا أزكى وأطهر.

قال السيف:أنا أبهى وأبهر.

فتلا ذو القلم لقلمه: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) (الكوثر:1).

وتلا صاحب السيف لسيفه: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (الكوثر:2).

فتلا ذو القلم لقلمه: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) (الكوثر:3).

قال:أما وكتابي المسطور، وبيتي المعمور، والتوراة والإنجيل، والقُرآن ذو التبجيل، إن لم تكف عنِّي غرْبك، وتُبعد مني قُرْبك، لأكتبنكْ من الصُّمِّ والبُكم، وَلأُسطرنّ عليك بِقلمي سجلاً بهذا الحكم.

قال السيف:أما ومَتْني المتين، وفتحي الْمُبين , ولسانَيّ الرطبين، ووجهَيّ الصُلبين، إنْ لم تُغِبْ عن بياضي بسوادك، لأمسَنَّ وجهك بمدادك، ولقد كسبت من الأسد في الغابة، توقيع العين والصلابة، مع أني ما ألوتُكَ نصحاً أفنضرب عنكم الذكر صفحاً؟

قال القلم:سَلِّم إن كنتَ أعلى فأنا أعلم , وإن كنتَ أحلى فأنا أحلم، وإن كنت أقوى فأنا أقوم , أو كنت ألوى َ فأنا ألوم , أو كنت أطرى فأنا أطربُ، أو كنت أغلى فأنا أغلب , أو كنت أعتى فأنا أعتبُ , أو كنت أقضى فأنا أقضب.

قال السيف:كيف لا أفْضُلك , والمقرُّ الفلانيُّ شادٌّ أزري.

قال القلم:كيف لا أفْضُلك وهو (عزَّ نصرهُ) ولي أمري؟

قال الحَكمُ بين السيفِ والقلمِ: فلما رأيتُ الحجَّتيْن ناهضتين، والبيِّنتيْن بينتيْن مُتعارضتين، وعلمتُ أنَّ لكلِّ واحدٍ منها نسبةً صحيحةً، إلى هذا المقرَّ الكريم، ورواية مُسْندة عن حديثه القديم، لطَّفتُ الوسيلة، ودققّتُ الحيلة حتى رددْتُ القلم إلى كنَّه , وأغمدتُ السَّيف فنام ملء جفنه، وأخّرْتُ بينهما الترجيح وسكتُّ عمّا هو عندي الصّحيح، إلى أن يحكم المقرُّ بينهما بعلمه، ويسكِّن سورة غضبهما الوافر ولجاجهما المديد ببسط حلمه.

منقولة

ـ[أبو داوود القاهري]ــــــــ[19 - 09 - 06, 09:20 ص]ـ

جزاكم الله خيراً, مناظرة ماتعة.

ولكن ...

قال:أما وكتابي المسطور، وبيتي المعمور، ...

قال السيف:أما ومَتْني المتين، وفتحي الْمُبين , ...

ما مراده؟!

ـ[الحبيطري]ــــــــ[23 - 09 - 06, 03:27 ص]ـ

بارك الله فيك اخى الكريم وجزاك الله خيرا وكل عام وانت بخير ورمضانك مبارك ينعاد عليك بالصحة والعافية انشاء الله يارب

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير