المرثية الندية .. في مدح الإمام ابن تيميّة
ـ[أبو القاسم المقدسي]ــــــــ[22 - 11 - 06, 03:31 ص]ـ
قد يقول قائل .. ما مناسبة أن تكتب مرثية في ابن تيمية بعد مئات السنين من وفاته وهو مع هذا لم يعدم من يرثيه ويصنف فيه عبر السنين؟
فالجواب .. أني أدركت قيمة هذا الجهبذ لما انخرطت في مجادلة البدعيين على سائر نحلهم .. فكان مما يجمعهم على رغم اختلاف مللهم .. سبهم للإمام ابن تيمية رضي الله عنه .... فاقتضتني الغيرة أن أعبر له ببعض الوفاء بقصيدة متواضعة كشكر على ما استفدته من قراءة قصاصات من كتبه ..
ومن مقاصدي أيضا أن أهمس في آذان العلماء الذين شغلت كثيرا منهم المتون عن حمل الهم الإسلامي الكبير .. وأذكرهم .. بهذه السيرة العطرة .. فما أحوجنا لمثلها في أيامنا هذه ..
وهي قديمة في تاريخها .. قبل سنوات عديدة .. لست أدري على وجه التحديد
يابن تيميةٍ عليكَ سلامُ **وجزاكم دارَ الخلود السلامُ
في ديار الإسلام حيتك نجٌدٌ ** وحجازٌ وواسط 1 والشآم
فوق هذي الربوع ضوّّعت2 علماً ** ضيّعتْهُ قبيلَك الآثامُ
قد نثرت الكنوزَ نثراً فمنها ** "ذهبيٌ" كِتابه "الأعلام" 3
واستحالتْ قطوفُها دانياتٍ ** كلُّ جانٍ من الثمارِ إمامُ
ولو انّّ ابنَ قيّمٍ وحدَه مَن ** كنتَ تسقي فغُنيةٌ وَوِسام
فهْو شيخُ الإسلام كالبدْر يستسـ ** قي من الشمسِ الضوْءَ وهْوَتمامُ ُ 4
وبكلتا يديكَ سيفُ جهاد ** قلمٌ في يدٍ والاخرى حسامُ
من بديعِِ التأصيل شيدتَ قصراً** كلُّ أحجارهِ شدادٌ كرامُ
في سماء التفسير رايتُك الخضـ ** راءُ تعلو ودونها الآكامُ
وعلوم الحديث لانت بعينيـ ** كَ كما لان في اليدين الهلامُ
ولأهل الضلال جرّدْتَ سيفاً ** عبقريّاً كأنه لحام
يتعاطى كِنانة ً من دليلٍ ** في قِسيّّ البرهانِ منها سهامُ
فالنصارى صلّّّّبتَ منهم فريقاً ** في "جواب" 5 وآخرون استقاموا
ودرأت التعارضَ المدّعى في ** عقل ِ من يعدم العقول فهَاموا 6
لا يرى العقلُ إن دهاه اغترار ** وكذا العينُ إن دهاها الظلامُ
وفجرتَ المِنهاجَ7 حباً لصحبٍ ** سيلَ عرم ٍ ,على الروافضِ سامُ
ولصحب الطرائق8 استلّ رمحًا ** يهتك الإفكَ .. فانجلت أوهام
ولأهل ِالكلام فندتَ قولاً ** إثرَ قول فَزَانَ منك الكلام
وبكُنهِ الذراتِ أصَّلتَ قولاً ** أثبتتْهُ في عصرنا الأعجام10
فانتفى الوهم وانتهى السهم نحوال ** ـمدّعي: أن تماثلت أجسام
والمعاني استخرجتَ منها اللآلي ** غاطسا في لُجاجِها حين عاموا
قد يكون اليراعُ في السطر أمضى ** من حسام في الصدر, فيه الحِمام
ريشةٌ قد شَفتْ صدورَ عبادٍ ** وانتشَتْ من صريفِها الأقلام
تغتدي في رشاقة ثم تمسي ** ولها كالجيادِ ضبحٌ غرام
كلّ طلابِ جامعاتك ساروا ** فوق سهلٍ عبَّّّّدْتَهُ وأقاموا
وابنُ عبدِالوهابِ سار على الدّر ** بِ وكادت أن تُعبَدَ الأصنامُ!
يومَ قازانَ والحوانيتُ غرقى ** في دم الناس, زمجر الضرغام
يمخرُ الصعبَ في سفينةِ وحْيٍ ** والنجاةُ قِوامُها الإسلام
جاءهم كالهِزَبْرِ يعدو فولى ** كُلّ ضبع ٍ وأذعنتْ أنعامُ
فحمى ربُنا به بيضة َ الإسـ ** لامِ حتى عمَّ الديارَ السلام
لا تسلْني عن فضلِه وسلِ التا ** ريخَ يشهدْ خِيارُه والطّغام12
"والفتاوى " شهود عدل ففيها ** من كتابٍ وسنةٍ إفحام
بل سلوها جنازةَ الشيخِ تشهدْ ** وليقمْ بالقضاء فينا الأ نامُ 13
حقدُهم ليس بدعة ً فالنبيو ** نَ ازدراهم من قبلُ قومٌئامُ
كلما ناظروه رُدّوا على أعْـ ** قابِهم واعتلى الأنوفَ الرغامُ
من لحومِ الأعلامِ نالت خصومٌ ** وبـ "رفع الملامِ" 14زال الخصامُ
راهبٌ جُلّ ليله في قيامٍ ** فارسٌ في نهارِه صوّامُ
لا يعاديه غير شخصٍ حقودٍ ** قد أحاطت بقلبه الأختام
محِدثٌ أو منافقٌ أو حسودٌ ** قلبُه الأسْودُ احتواه الضّرامُ
ينهشُ الوغدُ لحمهُ وهو مرٌ ** ثم يومَ المعادِ منه سخامُ
(جسَّموا) قولَك: اليدان استحقّا ** عينَ ما قال ربُنا العلاّم 15
ضربوا بينهم وبينك سوراً
ما نفى الشَّمْسَ أن يَمُرَّ الغَمَامُ i16
إنُّ نفيي سياحةٌ وانحباسي ** خلوةٌ ثم إنّ قتلي مرامُ17
مات في السجن -وهو حرٌ- ليلقى ** ربه وهْوَ عبدُهُ المقدام
كم نهى عن تبرّك ثم لمّا ** غسّلوهُ تدافعت أقوامُ!
كان يومَ الاثنين ميلادُ حَبر ** ثمّ يومَ الاثنين كان المنامُ 18
¥