فمن عرف تفسير هذه الآية، وعرف تخصيص الملك بذلك اليوم، مع أنه سبحانه مالك كل شيء ذلك اليوم وغيره، عرف أن التخصيص لهذه المسألة الكبيرة العظيمة التي بسبب معرفتها دخل الجنة من دخلها، وسبب الجهل بها دخل النار من دخلها، فيالها من مسألة لو رحل الرجل فيها أكثر من عشرين سنة لم يوفها حقها، فأين هذا المعني والإيمان بما صرح به القرآن، مع قوله صلى الله عليه وسلم: ((يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئاُ)) [أخرجه البخاري في صحيحة: كتاب الوصايا، باب هل يدخل النساء والولد في الأقارب رقم: 2753، والنسائي في سننه: كتاب الوصايا إذا أوصى لعشيرته الأقربين (6/ 248 - 250) رقم: 3644، 3646، 3647، من حديث أبي هريرة.
من قول صاحب البردة:
ولن يضيق رسول الله جاهك بي ***** اذا الكريم تحلي بأسم منتقم
فإن لي ذمة منه بتسميتي ***** محمداً وهو أوفى الخلق بالذمم
إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي ***** فضلاً وإلا فقل يازلة القدم
فليتأمل من نصح نفسه هذه الأبيات ومعناها، ومن فتن بها من العباد، وممن يدعى أنه من العلماء واختاروا تلاوتها على تلاوة القرآن.
هل يجتمع في قلب عبد التصديق بهذه الأبيات والتصديق بقوله: (يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله) وقوله:: ((يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئاُ)) لا والله، لا والله لا والله إلا كما يجتمع في قلبه أن موسى صادق، وأن فرعون صادق، وأن محمداً صادق على الحق، وأن أبا جهل صادق على الحق. لا والله ما استويا ولن يتلاقيا حتى تشيب مفارق الغربان.
فمن عرف هذه المسألة وعرف البردة، ومن فتن بها عرف غربة الإسلام وعرف أن العدل واستحلال دمائنا وأموالنا ونسائنا، ليس عن التكفير والقتال، بل هم الذين بدءونا بالتكفير وعند قوله: (فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً) [سورة الجن الآية: 18].وعند قوله: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ) [سورة الإسراء: الآية: 57]. وقوله: (لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ) [سورة الرعد الآية: 14].
فهذا بعض المعاني في قوله: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) بإجماع المفسرين كلهم،وقد فسرها الله سبحانه في سورة (إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ) (الإنفطار: 1) كما قدمت لك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تفسير سورة الفاتحة من مؤلفات الإمام محمد بن عبدالوهاب ص 13 المجلد الخامس
يقول الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله في أحد رسائلهِ الشخصية –كما في الدرر السنية 2/ 44 - إلى الأخ حسن:
" وأما ما ذكرت من أهل الجاهلية كيف لم يعرفوا الالهية إذا أقروا بالربوبية هل هو كذا أو كذا أو غير ذلك. فهو لمجموع ما ذكرت وغيره.
وأعجب من ذلك ما رأيت وسمعت ممن يدعي أنه أعلم الناس، ويفسر القرآن، ويشرح الحديث بمجلدات، ثم يشرح (البردة) ويستحسنها، ويذكر في تفسيره وشرحه للحديث أنه شرك، ويموت ما عرف ما خرج من رأسه،هذا هو العجب العجاب!! أعجب بكثير من ناس لا كتاب لهم ولا يعرفون جنة ولا ناراً، ولا رسولاً ولا إلهاً."
كلام العلامة المجدد عبدالرحمن بن حسن في البردة
قال العلامة المجدد عبدالرحمن بن حسن:
وقد ذكر شيخ الإسلام، عن بعض أهل زمانه: أنه جوّز الاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما يستغاث فيه بالله. وصنف في ذلك مصنفاً، رده شيخ الإسلام، ورده موجود بحمد الله.
ويقول: إنه يعلم مفاتيح الغيب، التي لا يعلمها إلا الله. وذكر عنهم أشياء من هذا النمط. نعوذ بالله من عمى البصيرة.
وقد اشتهر في نظم البوصيري، قوله:
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به ***** سواك عند حلول الحادث العمم! َ!
وما بعده في الأبيات، التي مضمونها: إخلاص الدعاء، واللياذ والرجاء والاعتماد في أضيق الحالات، وأعظم الاضطرار لغير الله.
فناقضوا الرسول صلى الله عليه وسلم في ارتكاب ما نهى عنه أعظم مناقشة، وشاقوا الله ورسوله أعظم مشاقة.
وذلك أن الشيطان أظهر لهم هذا الشرك العظيم، في قالب محبة النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه. وأظهر لهم التوحيد والإخلاص، الذي بعثه الله به في قالب تنقصه.
¥