وهؤلاء المشركون هم المتنقصون الناقصون، أفرطوا فى تعظيمه بمانهاهم عنه أشد النهي، وفرطوا في متابعته. فلم يعبؤوا بأقواله وأفعاله، ولارضوا بحكمه ولاسلموا له، وأنما يحصل تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم بتعظيم أمره ونهيه.
وهؤلاء المشركون عكسوا الأمر. فخالفوا ما بلَّغ به الأمة، وأخبر به عن نفسه صلى الله عليه وسلم. فعاملوه بما نهاهم عنه: من الشرك بالله، والتعلق على غير الله، حتى قال قائلهم:
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به ***** سواك عند حلول الحادث العمم
إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي ***** فضلاً وإلا فقل: يا زلة القد
فإن من جودك الدنيا وضرتها ***** ومن علومك علم اللوح والقلم
فانظر إلى هذا الجهل العظيم، حيث اعتقد أنه لا نجاة له إلا بعياذه ولياذه بغير الله.
وانظر إلى هذا الإطراء العظيم، الذي تجاوز الحد في الإطراء، الذي نهى عنه صلى الله عليه وسلم بقوله " لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبدٌ، فقولوا عبدالله ورسوله " رواه مالك وغيره. وقد قال تعالى: (قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكن إني ملك) [الأنعام: 50].
فانظر إلى هذه المعارضة العظيمة للكتاب والسنة، والمحادة لله ورسوله. وهذا الذي يقوله هذا الشاعر هو الذي في نفوس كثير، خصوصاً ممن يدعي العلم والمعرفة، ورأوا قراءة هذه المنظومة ونحوها لذلك وتعظيمها من القربات، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فتح المجيد لشرح كتاب التوحيد
باب ماجاء أن سبب كفر بنى آدم وتركهم دينهم هو الغلو (1/ 381)
باب قول الله تعالى (فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون) (2/ 693)
................
كلام العلامة ـالمحدث ـ سليمان بن عبدالله في البردة:
قال: العلامة المحدث سليمان بن عبدالله في كتاب تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد::
ومن بعض أشعار المادحين لسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم قول البوصيري:
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به ***** سواك عند حلول الحادث العمم
ولن يضيق رسول الله جاهك بي ***** إذا الكريم تجلى باسم منتقم
فإن لي ذمة منه بتسميتي ***** محمداً وهو أوفى الخلق بالذمم
إن لم يكن في معادي آخذاً بيدي ***** فضلاً وإلا فقل يا زلة القدم
فتأمل ما في هذه الأبيات من الشرك.
منها: أنه نفى أن يكون له ملاذٌ إذا حلت به الحوادث، إلا النبي صلى الله عليه وسلم، وليس ذلك إلا لله وحده لا شريك له، فهو الذي ليس للعباد ملاذ إلا هو.
الثاني: أنه دعاه وناداه بالتضرع وإظهار الفاقة والاضطرار إليه، وسأل منه هذه المطالب التي لا تطلب إلا من الله، وذلك هو الشرك في الإلهية.
الثالث: سؤاله منه أن يشفع له في قوله:
ولن يضيق رسول الله ... البيت ...
وهذا هو الذي أراده المشركون ممن عبدوه، وهو الجاه والشفاعة عند الله، وذلك هو الشرك، وأيضاً فإن الشفاعة لا تكون إلا بعد إذن الله فلا معنى لطلبها من غيره، فإن الله تعالى هو الذي يأذن للشافع أن يشفع لا أن الشافع يشفع ابتداء.
الرابع: قوله: فإن لي ذمة ... إلى آخره.
كذب على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، فليس بينه وبين من اسمه محمد ذمة إلا بالطاعة، لا بمجرد الاشتراك في الاسم مع الشرك.
تناقض عظيم وشرك ظاهر، فإنه طلب أولاً أن لا يضيق به جاهه، ثم طلب هنا أن يأخذ بيده فضلاً وإحساناً، وإلا فيا هلاكه.
فيقال: كيف طلبت منه أولاً الشافعة ثم طلبت منه أن يتفضل عليك، فإن كنت تقول: إن الشفاعة لا تكون إلا بعد إذن الله، فكيف تدعو النبي صلى الله عليه وسلم وترجوه وتسأله الشفاعة؟ فهلا سألتها من له الشفاعة جيمعاً، الذي له ملك السموات والأرض، الذي لا تكون الشفاعة إلا من بعد إذنه، فهذا يبطل عليك طلب الشفاعة من غير الله.
وإن قلت: ما أريد إلا جاهه، وشفاعته، بإذن الله.
قيل: فكيف سألته أن يتفضل عليك ويأخذ بيدك في يوم الدين، فهذا مضاد لقوله تعالى: {وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدرك ما يوم الدين يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئذ لله} [الانفطار]، فكيف يجتمع في قلب عبد الإيمان بهذا وهذا.
وإن قلت: سألته أن يأخذ بيدي، ويتفضل عليَّ بجاهه وشفاعته.
¥