تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لقد نقل ابن أبي داود في المصاحف كراهة نقط المصحف عن الحسن وابن سيرين وإبراهيم النخعي وعباد بن عباد الخواص، حتى نقل المبالغة عن قتادة فرويَ عنه أنه قال: لوددت أن الأيدي قطعت فيه .. ثم ذكر بعض الروايات في الإباحة منها رواية منصور سألت الحسن وابن سيرين عن المصحف ينقط بالنحو فقالا: لا بأس به .. ورواية نافع: سألت ربيعة عن شكل القرآن في المصاحف فقال: لا بأس به. مما يعني أنهما رخصا في نقط المصاحف، ورجحا الجواز .. والسؤال هو ..

هل أرادوا بذلك نقط إعجام الحروف؟ ظاهر الروايات السابقة تبين بجلاء أنهم يعنون نقط النحو والشكل .. ويؤكده بعض الروايات التي أظهرت المعنى المراد من كلمة النقط ..

فروى ابن أبي شيبة في المصنف 6/ 116عمن كره نقط المصاحف قال: " إني أخاف أن تزيدوا في الحروف أو تنقصوا منها ".

وروى كذلك 7/ 273عن فراس بن يحيى، قال:" أصبت في سجن الحجاج ورقاً منقوطاً بالنحو وكان أول نقط رأيته .. ". وروى عبد الرزاق في المصنف 4/ 320 عن إبراهيم النخعي أنه كان يكره في المصحف النقط والتعشير، قال: نقط العربية ". وروى أيضاً 4/ 323 في سؤال الحسن أنه قيده بقوله " أينقط بالعربية؟ ".

فكل هذا يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أنهم أرادوا نقط الشكل.

وقصة أبي الأسود الدؤلي في سبب وضع النقط تدل بوضوح على أنه نقط الشكل كما رواها الأئمة من المؤرخين .. وقد تكلم ابن خلدون (المقدمة ص 352) على هذه المسألة ومذهبه فيها: أن الكتابة صناعة تابعة للعمران والمدنية وأن الكتابة العربية في أول الإسلام كانت ناقصة غير كاملة وأنها ازدهر رقيها بعد ذلك بقرون .. أهـ وقد يكون مذهبه صحيحاً إذا أراد جودة الخط وتنوعه وأشكاله لا الكتابة نفسها .. فيستحيل أن تكون الحروف قبل الإسلام وفي بداية مهده بدون نقط على الحروف ..

ومن البدهي أن نتساءل عن الذي وضع الحروف واخترعها أياً كان هو .. كيف ميز بين حروفها المتشابهة كالسين والشين والصاد والضاد والباء والتاء والثاء والنون؟ .. وكيف فرق بينها عند تعليمه لغيره؟ ولماذا وضعت متباينة إذا كانت متشابهة من غير نقط؟ وكيف ميز الناس بين هذه الأحرف عند تعاملاتهم الكتابية في التجارة؟ ألا ترى أن أكثر من نصف الحروف منقوط كما هو معلوم! فكيف يستساغ مثل هذا الكلام ويقبل على أنه حقيقة علمية ثابتة؟

وقد استبعد هذه المسألة الإمام القلقشندي في موسوعته "صبح الأعشى 3/ 149 " فقال ما نصه - بعد أن بين أن الإعجام وهو النقط موضوع مع وضع الحروف-: " والظاهر ما تقدم إذ يبعد أن الحروف قبل ذلك مع تشابه صورها كانت عرية عن النقط إلى حين نقط المصحف ". وهذا الكلام من عالم متخصص في العربية لغةً وتاريخاً وعلم الخط خصوصاً .. وكتابه هذا – مع غزارة مادته وضخامة حجمه- حكم على غيره من الكتب التي تناولت هذا الموضوع بإشارة أو بعبارة .. وقد أيده على هذه النتيجة حرفياً مؤلفا كتابي أبجد العلوم وكشف الظنون وغيرهما ..

أما عن وجود بعض اللوحات والصور والتي فيها الكتابة العربية في عهد الإسلام بدون نقط .. فأولاً: يصعب ثبوتها تاريخياً لمهد الإسلام ومن رام ذلك فليعلمنا .. وثانياً: عدم وجود النقط في بعضها قد يرجع إلى بعد عهدها وقدمه مما قد يؤثر على ظهور النقط لصغر حجمه .. وثالثاً: هناك أنواع من الخطوط يهمل فيها النقط وهذا أمر معروف بين المتخصصين في علم الخط وقد شاهدت بعضها ..

ورابعاً: يحتمل أن عدم وجود النقط في بعض الكلمات كان أمر متعمد من الكتاب الأُول ليكون موافقاً لأكثر من قراءة من القراءات القرآنية المتواترة وهذا أمر معلوم لدى المتخصصين في القراءات ..

ولكن .. هذا لا يعني أن نعمم فنقول أنه لم يكن هناك نقط عند كتابة المصاحف في العهد النبوي وفي مهد الإسلام ..

نعم .. لعل هناك من كان يكتب بهذه الطريقة لا سيما والقرآن حفظه في الصدور أكثر منه في السطور .. أما أن يكون الخط العربي أصلاً عند نزول القرآن كان بدون نقط والقرآن كله كتب كذلك .. فهذا أمر يصعب تقبله بل وتصديقه ..

وفي قضية جمع القرآن في عهد الصديق أولاً ثم في عهد ذو النورين ثانياً .. وهذا الأخير- رضي الله عنهما- حرص ورهطه على عدم الاختلاف في القرآن .. فكيف ترك الحروف كلها بلا نقط - إذا ثبت أنها كتبت بغيره -؟ أين الحل القاضي على الاختلاف إذاً؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير