تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كالوجود القديم والأزلي لله، ووجود مخلوقاته، والوجود الطبيعي، والغيبي، والوجود الذهني والوجود الخارجي، وهذه الأنواع المختلفة من الوجود داخل –في بعض اللغات في الأقل- تحت مصطلح واحد. وبناء على ذلك، فإنه ليس ثمة اختلاف جوهري –وفقا لابن تيمية- بين المجازات والمشككات يسمح لنا بوضعها تحت أسماء مختلفة، ومن ثمّ، معاملتها معاملة مختلفة. وفي تحليل الجمهور يفرّق بين المجازات والمشككات بالرجوع إلى الوضع: فإذا افترض أن وضع لفظ واحد لمعنيين أو أكثر تمّ بمقتضى وضع واحد، صنف اللفظ بأنه مشكّك، ومن ثم، عوملت المعاني التي يدل عليها اللفظ معاملة معنى واحد. ومن هنا عوملت الأنواع المختلفة من الوجود (التي سبق ذكرها) معاملة معنى واحد، وليس معاني مختلفة. فإذا افترض أن وضع لفظ لأكثر من معنى تمّ بأكثر من وضع في أوقات مختلفة، وأن واضع اللفظ للمعنى الجديد قد استند إلى علاقة بين المعنيين القديم والجديد، حكم على اللفظ بأنه مجاز، وهو ما أدّى إلى وجود المعنى المجازي. بيد أن هذا المعيار لا يرضي ابن تيمية:

أوّلا: ً لأنه ليس ثمة وسيلة يمكن بها تحديد أي المعنيين سابق على الآخر،

ثانيا: لأن الطريقة الوحيدة لمعرفة أن وضع اللفظ لأكثر من معنى قد تم بأكثر من وضع في حقب مختلفة هو أن نفترض أن اللفظ مجاز، وهذا يؤدي إلى الدور.

وعلى كلّ فهناك أمر يشترك فيه ابن تيمية مع الجمهور في تفسيرهم للمجاز، وهو وجود علاقة بين ما يعرف بالحقيقة والمجاز، ولكنّ هذه العلاقة –وفقا لابن تيمية- موجودة في المشكك أيضا؛ ولذا فكما أنه ليس من المعقول أن نقول: إن "الوجود" في معناه المجرد هو المعنى الحقيقي، وأن المعاني المقيدة (كالوجود القديم والأبدي لله، ووجود مخلوقاته الفانية، والوجود الطبيعي والغيبي) هي معان مجازية، فكذلك ليس من المقبول أن نقول: إن الأسد في معناه المجرد هو المعنى الحقيقي والمعنى الفعلي المقيد "الرجل الشجاع" هو المعنى المجازي لكلمة "أسد". وينبغي التنبيه هنا على أن المقصود بالمعنى المجرد يختلف اختلافا أساسيا عن المعنى المطلق، فالمعنى المجرد يشير إلى المقصود الذهني لمعنى اللفظ الناشئ عن اعتباره بمعزل عن سياقاته الفعلية، أما المعنى المطلق فيحسن بنا أن نشرحه في ضوء تمييز ابن تيمية بين الدلالة الوجودية والدلالة العدمية (يراجع 4. 7)، وكما ذكرنا سابقا، إذا سكت المتكلم عامدا عن تقييد لفظه في حديثه بطريقة متعارف عليها فإن سكوته يفسر بأنه محاولة منه لاستخدام اللفظ في معناه المطلق، أي المعنى المفهوم من اللفظ ومن سكوت المتكلم. وبناء على ذلك فإن كلمة "أسد" في "رأيت أسدا أمس" تستخدم للدلالة على معنى مطلق، في حين أنها تستخدم في "رأيت أسدا يخطب على المنبر" للإشارة إلى معنى مقيد. وخلافًا للمعنى المجرد يوصف المعنى المطلق بأنه داخل في الاستعمال اللغوي، ومن ثمّ، فهو مفيد، وهكذا يمكن القول إنه على الرغم من اعتراف السلفيين بوجود "المعنى المفرد" فقد استخدموه في مفهوم خاص ينسجم مع فكرتهم في أن الألفاظ لا تكون مفيدة إلا إذا استخدمت في مقامات تخاطبية معينة.

إن السؤال الذي ينبغي أن يثار هنا هو لِمَ ترفض السلفية أن تعد المعنى المطلق حقيقة، والمعنى المقيد مجازا. ووفقًا لابن القيم، فإن السبب يعود إلى أن هذا التفريق "غير منضبط، ولا مطرد، ولا منعكس". كما أن هذا التفريق يتضمن تمييزا غير ضروري بين أفكار متشابهة تشابها تاما؛ إذ إن مناصري المجاز لا يطلقون لفظ المجاز على كل الألفاظ التي تختلف معانيها باختلاف الإطلاق والتقييد، وهو منطبق على أغلب –إن لم يكن جميع- ألفاظ اللغة.

وعلى كلّ فإن نقطة ابن القيم يمكن توضيحها كالآتي: إذا كان كل لفظ معناه المطلق يختلف عن معناه المقيّد عُدّ مجازًا، فستعد كل اللغة مجازًا، لأن هذا ينطبق على كل ألفاظ اللغة، وهو أمر واضح البطلان، إذ إن من البيّن أن معظم الألفاظ تستعمل في معانيها الحقيقية. ثم إن معظم مناصري المجاز يُقرّون بأن كل مجاز لابد له من حقيقة، ومن ثمّ، فإن الحقيقة –في رأيهم- أسبق، وأكثر شيوعا من المجاز. كما أنهم يعترفون بأن الحقيقة أصل والمجاز هو الفرع، فلو كانت كل اللغة أو معظمها مجازا لعُدّ المجاز أصلا، ولكان أولى في الحمل عليه من الحمل على الحقيقة، وهذا يؤدي إلى لبس في اللغة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير