تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[رسالة في وجوب كتابة المصحف بالرسم العثماني للشيخ علي النوري (ت 1118 هـ)]

ـ[أبو معاوية البيروتي]ــــــــ[18 - 08 - 08, 08:25 ص]ـ

قال الشيخ علي بن سالم النوري رحمه الله (1053 - 1118 هـ):

" قد بلغ في صحة النقل الغاية، وبلغ في حسن النظر كمال الدراية، جزاه الله خير ما جُزِي به الناصحين، وجمعنا معه في أعلى علِّيين؛ آمين، إلاّ ما مال إليه تبعاً للشيخ العربي الفاسي (ت 1052 هـ) من أن اتباع رسم المصحف العثماني مندوب لا واجب، بل الحق والصواب أنه واجب، ويكفيك أنه مذهب الجمهور، بل حكى شيخ شيوخنا أستاذ أهل المغرب في زمانه بلا منازع عبد الرحمن بن القاضي (ت 1082 هـ) الإجماع عليه، ولا يوجد في كلام المتقدّمين إلاّ ما يدل عليه، وتأويله تكلّف لا يحتاج إليه.

وما استدل به الشيخ العربي الفاسي رحمه الله كلّه مدخول، ولولا خوف الإطالة لتتبّعت جميع ذلك بكلام نفيس تطأطئ له الرؤوس، ويسلمه كل من أنصف وسلم من رعونات النفوس، انظر إلى قوله: ولقد رأينا مصاحف كثيرة قديمة من مصاحف الأندلس على قراءة نافع (ت 169 هـ)، ولا يحذفون إلاّ قليلاً، ومصاحف من المشرق على قراءة ابن كثير (ت 120 هـ) وقراءة حمزة (ت 156 هـ)، من غير التزام لهذا الرسم الاصطلاحي.

هذا لا يُسَمّى شبهة فضلاً عن كونه دليلاً لأن هذه المصاحف - وإن كانت قديمة - فالغالب أنها كُتِبَت في القرون المتأخرة لمّا كثر الجهل، وأعرض الناس عن غالب مراشدهم، وعلى تقدير أنها كُتِبَت في القرون الأوَل، فلا يُعرف كاتبها أنه من العلماء الموثوق بهم أم لا، فكيف يُجعَل هذا دليلاً يُعارض به ما فُعِل في حياته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وبين يديه، وأبو بكر 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - إنما حدَث جمعه في مصحف واحد لا كتابته، ولا يُقال إنّ ما فعله أبو بكر 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - بدعة لأنه ممّا اقتضته قواعد الشريعة وأمرت به، وكل ما كان كذلك فليس ببدعة، وإنما لم يُفعَل في زمنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لمَا كان يُتَرقّب من زيادة القرآن بنزول ما لم ينزل منه ونقصه بنسخ ما يُنسخ، ولا تظن أن زيد بن ثابت 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - - الذي كتب المصحف لأبي بكر - خالف هيئة ما كان يكتبه في حياة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وبين يديه، ثم إن عثمان أرسل إلى حفصة أم المؤمنين فبعثت إليه بالمصحف فنسخه في مصاحفه، ولا تظن أنهم بدّلوا أو غيّروا، ولا سيّما ومعهم زيد بن ثابت الذي كتب لهم المصحف الأوّل، وارتضى كل الصحابة ما فعل عثمان، ولم يعب عليه أحد، حتى قال علي 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - لو ولّيت لفعلتُ في المصاحف ما فعل عثمان، وقال أيضاً: أعظم الناس في المصاحف أبو بكر.

فهذا أمر فعله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وأجمع عليه الخلفاء الراشدون والصحابة من بعد إجماع قوليّ من بعض، وسكوتيّ من بعض، بل هذا أرفع من السكوتي، لأن السكوتي أن يفتي بعض المجتهدين ويبلغ الباقين فيسكتون من غير تصريح بموافقة ولا إنكار، والناس كلّهم: الصحابة ومن بعدهم، عملوا في مصاحفهم ما عمل عثمان، كما قال مالك: يُكتَب المصحف على الكتابة الأولى، قال الداني (ت 444 هـ): ولا مخالف له في ذلك من علماء الأمة، اهـ.

فهو إجماع بلا شك، وخرق الإجماع حرام إن كان مستنده نصًّا اتفاقاً، وإن كان مستنده الاجتهاد فعلى الصحيح، وقد انتصر للقول بالوجوب شيخ شيوخنا ابن القاضي، وساق عليه أدلة، فانظرها تعرف صحة القول بالوجوب وضعف القول بالاستحباب.

وقد جرى الصحابة رضي الله عنهم في رسم المصاحف العثمانية على ما يقتضيه يسر الدين وسعته في كل شيء، حتى في القرآن نفسه فقد أذن الله لرسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ولأمته أن يقرأوه على سبعة أحرف، فحذفوا في بعضها ما أثبتوه في آخر، وكان ذلك لحِكَم وأسرار تدل على دقة أنظارهم وكمال فطنتهم، وعلى هذا يُحمَل ما وقع من الخلاف بين العلماء في الإثبات والحذف، فقراءاتهم كلهم على حق وصواب، وكُلٌّ اقتدى بما رأى في المصاحف العثمانية أو مصاحف الأمصار التي كتبها العلماء الموثوق بهم التابعون للمصاحف العثمانية، وعلى هذا فمن قلّد أحد الأعلام في رسمه لكتاب الله فهو مصيب، ولا سيما من قلّد الداني إمام

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير