تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويقول الأستاذ العقاد رحمه الله في مقدمة كتاب (الصحاح) للأستاذ العطار: "ولقد قيل كثيراً إن اللغة العربية بقيت لأنها لغة القرآن. وهو قول صحيح لا ريب فيه، ولكن القرآن الكريم إنما أبقى اللغة لأن الإسلام دين الإنسانية قاطبة وليس بالدين المقصور على شعب أو قبيل. وقد ماتت العبرية وهي لغة دينية أو لغة كتاب يدين به قومه، ولم تمت العبرية إلا لأنها فقدت المرونة التي تجعلها لغة إنسانية، وتخرجها من حظيرة العصبية الضيقة بحيث وضعها أبناؤها منذ قرون".

ثم يضيف الأستاذ العقاد: ((إن هذه الفضيلة الإنسانية التي لا تفرق بين العربي والأعجمي ولا بين القرشي والحبشي، لهي التي أنهضت لخدمة اللغة أناساً من الأعاجم غاروا عليها من حيف الأعجمية – أي أنهم غاروا عليها من لغة أمّهاتهم وآبائهم، لأنها لغتهم على المساواة بينهم وبين جميع المؤمنين بالقرآن الكريم كتاب الإسلام.

ويقول العقاد أيضاً: وستبقى اللغة العربية ما دام لها أنصار يريدون لها البقاء. ولم ينقطع أنصارها في عصرنا الحاضر بل نراهم بحمد الله يزدادون ويتعاونون. ويتلاقى أبناء البلاد المختلفة على خدمتها ودعمها، لأنهم مختلفون بمواقع البلاد متفقون بمقاصد الضمائر والألسنة والأفكار).

إن العقاد يعني بما قدَّم: أن إنسانية الإسلام وعالمية تشريعه الحكيم هي التي ساعدت على انتشار اللغة العربية التي هي لغة كتابه ((القرآن)) الذي وحّد في المؤمنين به ((مقاصد)) الضمائر والألسنة والأفكار، على الرغم من اختلافهم في مواقع البلاد ..

ويقول الدكتور حسين نصار في ((المعجم العربي)) لم تنهر اللغة العربية بانهيار الدولة الأموية وذلك بفضل القرآن الذي أحاط العربية بهالة من القداسة والجلال غمرت كل مسلم مهما كان جنسه ومهما كانت لغته، فاستمرت حية تتوارثها ألسنة جيل بعد جيل. وأن السبب المباشر الذي أظهر الدراسات اللغوية هو ارتباطها بالدراسات الدينية، واتحادها في النشأة ... فقد أنزل القرآن كتاب العربية الأعظم على الرسول العربي الكريم [صلى الله عليه وسلم] ليدعو قومه إلى سبيل الرشاد فكان بلغتهم وعلى أساليب كلامهم.

وكان الرسول صلى الله عليه وسلم ثم الصحابة من بعده المرجع في تفسير القرآن، ثم جاءت الحركة العلمية الأولى عند المسلمين التي شملت في مدة وجيزة جميع العلوم التي عرفها العالم القديم، فما اتصل بالقرآن كان أولها ظهوراً حيث ظهرت كتب (غريب الحديث) وكان آخر الظواهر التي أمدَّت الدراسات اللغوية بالروافد ظاهرة التدوين العلمي حيث وضعت معظم العلوم العربية في أواخر العصر الأموي وأوائل العهد العباسي: كعلوم القرآن والحديث والفقه والأصول والنحو والرياضة والمنطق والكلام والفلسفة الخ .. )).

ويقول الأستاذ سيد قطب في كتابه ((المستقبل لهذا الدين)): "إن انتصار الصليبيين في الأندلس وانتصار اليهود في فلسطين .. أعظم مشاهد على أنه حين يُطرد الإسلام من أرض، فإنه لا تبقى لغته ولا قوميته بعد اقتلاع الجذر الأصيل".

ويقول أيضاً: "إن المماليك – وهم من جنس التتار – حموا من التتار بلاد العرب، مع أنهم ليسوا من جنس العرب، فصمدوا في وجه بني جنسهم المهاجمين دفاعاً عن الإسلام، لأنهم كانوا مسلمين .. صمدوا بإيحاء من العقيدة الإسلامية، وبقيادة روحية إسلامية من الإمام المسلم (ابن تيمية) الذي قاد التعبئة الروحية، وقاتل في مقدمة الصفوف .. وكذلك حمى صلاح الدين الأيوبي هذه البقعة من اندثار العروبة والعرب واللغة العربية وهو كردي لا عربي .. وهو إنما حفظ لها عروبتها ولغتها حين حفظ لها إسلامها من غارة الصليبيين، لقد كان الإسلام في ضمير صلاح الدين هو الذي كافح الصليبيين، كما كان الإسلام في ضمير المظفر قطز والظاهر بيبرس والملك الناصر هو الذي كافح التتار المتبربرين".

ولغير العرب وغير المسلمين شهادات مماثلة: يؤكد جورجي زيدان في كتابه (آداب اللغة العربية) تأثير القرآن في أخلاق أهله وعقولهم وقرائحهم ومعاملاتهم. فالصبغة القرآنية أو الإسلامية – كما يقول – تظهر في مؤلفات المسلمين، ولو كانت في موضوعات علمية .. كالفلسفة والفلك والحساب، فضلاً عن العلوم أو الآداب الشرعية.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير