تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال ابن الجزري في النشر: وأما الحكم الثالث وهو (القلب) فعند حرف واحد وهي الباء فإن النون الساكنة والتنوين يقلبان عندها ميماً خالصة من غير إدغام وذلك نحو (أنبئهم، ومن بعد، وصم بكم) ولابد من إظهار الغنة مع ذلك فيصير في الحقيقة إخفاء الميم المقلوبة عند الباء فلا فرق حينئذ في اللفظ بين (أن بورك، وبين: يعتصم بالله) إلا أنه لم يختلف في إخفاء الميم ولا في إظهار الغنة في ذلك، وما وقع في كتب بعض متأخري المغاربة من حكاية الخلاف في ذلك فوهم، ولعله انعكس عليهم من الميم الساكنة عند الباء. والعجب أن شارح أرجوزة ابن بري في قراءة نافع حكى ذلك عن الداني. وإنما حكى الداني ذلك في الميم الساكنة لا المقلوبة واختار مع ذلك الإخفاء. وفد بسطنا بيان ذلك في كتاب التمهيد والله أعلم.

وقال في النشر في خاتمة كلامه عن الإخفاء: واعلم أن الإخفاء عند أئمتنا هو حال بين الإظهار والإدغام. قال الداني وذلك أن النون والتنوين لم يقربا من هذه الحروف كقربهما من حروف الإدغام فيجب إدغامهما فيهن من أجل القرب ولم يبعدا منهن كبعدهما من حروف الإظهار فيجب إظهارهما عندهن من أجل البعد، فلما عدم القرب الموجب للإدغام والبعد الموجب للإظهار أخفيا عندهن فصارا لا مدغمين ولا مظهرين إلا أن إخفاءهما على قدر قربهما منهن وبعدهما عنهن فما قربا منه كانا عنده أخفى مما بعدا عنده، قال والفرق عند القراء والنحويين بين المخفى والمدغم أن المخفى مخفف والمدغم مشدد انتهى والله أعلم.

فاختيار ابن الجزري هو الإخفاء حيث قال: وبالإخفاء أقول. وفهم من اختياره للإخفاء أن تبقى فرجة صغيرة تسمح بمرور الهواء، لأن إطباق الشفتين يؤدي إلى عدم ظهور الإخفاء، ولكن هذا الذي فهم يشكل عليه بعض النصوص الواردة في كتب القراء من ذلك:

قول ابن غلبون رحمه الله تعالى وكان من كبار المقرئين في عصره بالديار المصرية المتوفى سنة 399هـ في كتابة التذكرة في القراءات: وأما الميم مع الباء فهي مخفاة لا مدغمة، والشفتان أيضاً ينطبقان معهما اهـ

وقال الإمام أبو عمرو الداني المتوفى سنة 444 هـ في التحديد في علم التجويد قال:

فإن التقت الميم بالباء فعلماؤنا مختلفون في العبارة عنها، فقال بعضهم هي مخفاة لانطباق الشفتين عليهما كانطباقها على أحدهما، وهذا مذهب ابن مجاهد وإلى هذا ذهب شيخنا علي بن بشر .. الخ

ثم ذكر القول الثاني الذي هو الإظهار ثم قال: وبالأول أقول.

وجاء في كتاب نهاية القول المفيد للشيخ محمد مكي نصر بتحقيق الشيخ الضباع رحمه الله نقلا عن الشيخ محمد بن أبي بكر المرعشي المتوفى سنة 1150 هـ في شرح تحفة الأطفال قوله – أي المرعشي -: والظاهر أن معنى إخفاء الميم ليس إعدام ذاتها بالكلية بل إضعافها وستر ذاتها في الجملة، بتقليل الاعتماد على مخرجها وهو الشفتان، لأن قوة الحرف وظهور ذاته إنما هو بقوة الاعتماد على مخرجه

وهذا كإخفاء الحركة في قوله: "لا تأمنا" إذ ليس بإعدام الحركة بالكلية بل تبعيضها وسيأتي.

وبالجملة إن الميم والباء يخرجان بانطباق الشفتين والباء أدخل وأقوى انطباقا كما سبق بيان المخارج.

فتلفظ بالباء في نحو:" أن بورك " بغنة ظاهرة وبتقليل انطباق الشفتين جدا ثم تلفظ بالباء قبل فتح الشفتين بتقوية انطباقهما وتجعل المنطبق من الشفتين في الباء أدخل من المنطبق في الميم، فزمان انطباقهما في أن بورك أطول من زمان انطباقهما في الباء، لأجل الغنة الظاهرة حينئذ في الميم، إذ الغنة الظاهرة يتوقف تلفظها على امتدادٍ.

ولو تلفظت بإظهار الميم هنا لكان زمان انطباقهما فيه كزمان انطباقهما في الباء لإخفاء الغنة حينئذ، ويقوى انطباقهما في إظهار الميم فوق انطباقهما في إخفائه لكن دون قوة انطباقهما في الباء إذ لا غنة في الباء أصلا بخلاف الميم الظاهرة فإنها لا تخلو عن أصل الغنة وإن كانت خفية، والغنة تورث الاعتماد ضعفا. اهـ

ولبعض المعاصرين كلام في إثبات الإطباق ونفي الفرجة، وللبعض الآخر كلام بخلاف ذلك، ولبعضهم كلام في جواز هذا وذاك بحسب ما تلقى القارئ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير