قال في أخبار النحويين: وأما الخليل بن أحمد أبو عبد الرحمن الفراهيدي الأزدي فقد كان الغاية في استخراج مسائل النحو وتصحيح القياس فيه وهو أول من استخرج العروض وحصر أشعار العرب بها وعمل أول كتاب العين المعروف المشهور الذي به يتهيأ ضبط اللغة.
وقال حمزة الأصبهاني في كتاب التنبيه على حدوث التَّصحيف: وبعد فإن دولة الإسلام لم تخرج أبدع للعلوم التي لم تكن لها أصول عند علماء العرب من الخليل، وليس على ذلك برهان أوضح من علم العروض الذي لا عن حكيمٍ أخذه، ولا على مثال تقدّمه احتذاه ..
وقال اللغوي في مراتب النحويين: أبدع الخليل بدائع لم يسبق إليها، فمن ذلك تأليفه كلام العرب على الحروف في الكتاب المسمى بكتاب (العين) فإنه هو الذي رتب أبوابه، وتوفي قبل أن يحشوه.
ويقال أنه دعا بمكة أن يرزقه الله علمًا لم يسبق إليه، فرجع إلى البصرة وقد فتح عليه بالعروض فوضعه، فهو أول من وضعه.
"ولم يكن هذا الرجاء وليد تكاسل وتواكل، بل كانت قدراته ومهاراته تؤهله لأن يكونعظيم الشأن".
ومن تأسيسه بناء كتاب العين الذي يحصر فيه لغة كلّ أمة من الأمم قاطبة، ثم من إمداده سيبويه في علم النحو بما صنف كتابه الذي هو زينة لدولة الإسلام.
وكانت له معرفة بالإيقاع والنغم وذلك هو الذي أحدث له علم العروض فإنهما متقاربان في المأخذ.
وهكذا نرى "الخليل لم يكتف بما أنجزه، وبما وهبه الله من علم؛ استجابة لدعائه وتوسله وتضرعه، فواصل جهوده وأعدَّ معجمًا يعَد أول معجم عرفته اللغة العربية، وامتدت رغبته في التجديد إلى عدم تقليد من سبقوه، فجمع كلمات المعجم بطريقة قائمة على الترتيب الصوتي، فبدأ بالأصوات التي تُنْطَق من الحَلْق وانتهي بالأصوات التي تنطق من الشفتين، وهذا الترتيب هو (ع- ح- هـ- خ- غ ... ) بدلا من (أ- ب- ت- ث- ج ... ) وسمَّاه معجم (العين) باسم أول حرف في أبجديته الصوتية".
"ويرى الدارسون، أن الخليل بجهوده المتميزة، كان المعبر الذي انتقل به النحو العربي إلى مرحلة لها سماتها وخصائصها، وكان أثره في جميع النحاة من بعده كبيرًا، حيث أفادت منه المدارس النحوية كافة، لأن جهوده صبت في المنهج نفسه عبر ذهنية وعت طبيعة اللغة، وفقهت أدق أسرارها، ولذا فإن (بروكلمان) قد قال وهو يبحث في العربية: إن الخليل هو المؤسس الحقيقي لعلم النحو العربي الذي وضعه سيبويه في كتابه، بعد أن تلقاه عنه، وتعلمه عليه".
وقد أخذ النحو عن الخليل: سيبويه والأصمعي والنَّضر بن شميل وهرون بن موسى النحويّ ووهب بن جرير وعليّ بن نصر الجهضمي وآخرون.
والخليل أستاذ سيبويه وعامة الحكاية في كتاب سيبويه عن الخليل وكل ما قال سيبويه: وسألته أو قال من غير أن يذكر قائله فهو الخليل.
وللخليل من الكتب (العين)، (معاني الحروف)، (جملة آلات العرب)، (تفسير حروف اللغة)، (العروض)، (النقط والشكل)، (النغم).
وبعد: فإن الخليل بن أحمد "يُعدُّ من القلائل الذين تركوا بصمات واضحة في التطور الحضاري لأمتنا العربية والإسلامية من خلال إبداعه وتطويره لبعض العلوم في عصره، ولا سيما اللغة والنحو والعروض".
وفاته:
وكان سبب موته أنه قال: أريد أن أعمل نوعًا من الحساب تمضي به الجارية إلى الفاميّ فلا يمكنه أن يظلها، فدخل المسجد وهو يعمل فكره، فصدمته سارية وهو غافل فانصرع ومات، قيل سنة خمس وسبعين ومائة وقيل سنة سبعين وقيل سنة ستين ومائة.
قال عليّ بن نصر الجهضمي: رأيت الخليل بن أحمد في النوم فقلت له: ما صنع الله بك؟ فقال: أرأيت ما كنا فيه لم يكن شيئًا، وما وجدت أفضل من سبحان الله والحمد لله والله أكبر.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ..
المصادر:
سير أعلام النبلاء
العبر في خبر من غبر
الوافي بالوفيات
أخبار النحويين
وفيات الأعيان
الأعلام للزركلي
طبقات النحويين
بعض المقالات والتراجم على الشبكة
ـ[أبو مسلم الأثري]ــــــــ[18 - 06 - 07, 03:23 ص]ـ
بارك الله فيكم