تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بالحوادث عظيمة النفع له، فنضج قلمه ولسانه وأخذا شكلاً أكثر عمقاً وهدوءاً، وأبعد عن الحماسة وأقرب إلى الرَّصانة.

بعد عودته من مصر سنة 1929م، وكان قد حصل على الشَّهادة الثانوية في شعبة العلوم، وكانت الثَّانوية في تلك الأيام على قسمين: الأول في نهاية السنة الحادية عشرة، والثَّاني في نهاية السنة الثانية عشرة وفيه شعبتان؛ الرِّياضيات والفلسفة، فانتسب إلى شعبة الفلسفة ودرسها في تلك السنة.

كان عليه أن يعمل أيضاً حتى يعيل نفسه وأهله فعمل في الصَّحافة، المهنة الأثيرة لديه، في جريدة "فتى العرب" مع الأستاذ معروف الأرناؤوط ثم في جريدة ألف باء عند يوسف العيسى، وكتب أيضاً في مجلّة "النَّاقد" وجريدة القبس.

السفر إلى مصر للدراسة ثم العودة إلى دمشق:

في نهاية السنة الدراسيَّة عاد إلى مصر للدَّراسة فيها. كان يريد الجامعة لكنَّ خاله محب الدين كان من الذين تصدُّوا لعميد كلية الآداب -في تلك الأيام- طه حسين عندما كتب كتابه "في الشعر الجاهليّ"، وما كان علي الطنطاوي ليفارق خاله من أجل الجامعة، فدخل دار العلوم، وبقي فيها أشهراً قليلة ثم عزم على العودة فتركها وعاد إلى دمشق في نهاية سنة 1929م.

حمل معه من مصر فكرة الجمعيَّات الإسلامية فأخذه الشيخ عبد القادر العاني إلى لقاء لكبار تُجَّار دمشق وبعض طلبة العلم، فحدَّثهم عما شهده في مصر ودعاهم إلى إنشاء جمعيَّة، فاختاروا اسم "جمعية الهداية الإسلاميَّة" التي كانت في مصر وأخذوا قانونها. واقترح عليهم استبدال المولد وما فيه من مخالفات بمحاضرة يلقيها وتطبعها وتوزعها الجمعيَّة. في هذين العامين اللَّذَين أعقبا عودته من مصر خالط المشايخ وصار له صوت مسموع وقلم ذو تأثير أكثر من قبل وصار من قادة الطلاب.

وعاد إلى التعليم يرتزق منه معلِّماً في "المدرسة الأمينيَّة" التي كان ابن خالته الشيخ شريف مديرها، مقابل أربعة قروش إلا ربعاً على الساعة، ولم يكن هذا يكفيه فعمل أيضاً في مدارس أخرى: في "الجوهريَّة" و"الجقمقيَّة" و"التجاريَّة" و"الكامليَّة" و"الكليَّة العلميَّة الوطنيَّة" التي كانت تدرِّس صفاً عالياً بعد الثانويَّة للطلاب غير السُّوريِّين سمُّوه "صفَّ الجامعة"، فرشَّحه الشَّاعر العالم خليل مردم للتدريس فيه، وكان أجره على ذلك عُشر ليرة ذهبية (ما يعادل 55 قرشاً)، وكان أجراً كبيراً في تلك الأيَّام، وفيها جمع محاضراته عن بشَّار بن بُرد في كتاب

الدراسة في كلية الآداب وفي كلية الحقوق

انتسب بعد العودة من مصر سنة 1929م لكليَّة الآداب، وكانت تسمى يومها "مدرسة الآداب العليا" ولم تكن تابعة للجامعة بل لوزارة المعارف على شكل معهدٍ عالٍ، وكان مديرها الأستاذ شفيق جبري، أحد شعراء دمشق الكِبار الأربعة. وفي سنته الأولى تصدَّى لأستاذه شفيق جبري عندما قال أنَّ الأدب أُلْهِيَة، في رسالة كتبها بعنوان "الأدب القوميِّ" وطبعها سنة 1930م. وكان من أساتذته في الكليَّة أيضاً سليم الجندي وعبد القادر المبارك أكثر الأساتذة تأثيراً في تكوينه اللُّغوي، والشيخ عبد القادر المغربي والشيخ سعيد الباني. وعندما طُرِد صديقه أنور العطار مع مجموعة من الطلاب لمخالفتهم أمر المُراقب في تلك السنة، تضامن معه علي الطنطاوي فحرّض الطلاب ودعا إلى الإضراب، فاستجابوا له وخرجوا يهتفون في الشوارع والأسواق وكانت ثورة صغيرة انتهت بعلي الطنطاوي في السِّجن ذلك اليوم.

وصار رئيس "اللَّجنة العليا لطلاب سوريَّة" من 1929 إلى سنة 1931م، التي كانت ذراع "الكتلة الوطنية" في نضالها ضدَّ الفرنسيين. وأصبح خطيب البلد وقائد الشَّباب بعد خطبة عظيمة ألقاها في تلك السَّنة، وصار نداؤه المشهور (إليَّ إليَّ عباد الله) كثيراً ما يدوِّي فوق منبر الأموي.

وعندما أنشأت "الكتلة الوطنيَّة" جريدة "الأيَّام عام 1930م كان الأستاذ عارف النكدي رئيس تحريرها، فجعل علي الطنطاوي المحرِّر الداخليَّ (أي مدير التحرير)، فأعطاها من وقته وجهده الكثير، وكانت جريدة الناس التي يترقبونها ويتسابقون على شراء نسخة منها، إلى أن أوقفها الفرنسيُّون وختموا مقرَّها بالشَّمع الأحمر.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير