تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وبقي رحمه الله صاحب رؤية سديدة ترى الحقائق كاملة، وتُقدِّر الأمور حقَّ قدرها، وتضعها في نِصابها، وصاحب كلمة حقٍّ لا يتنازل في قول الحقِّ، فإن لم يمكنه قول الحق فلا يقول الباطل، ذلك العهد الذي عاهد عليه الله منذ نشأته، ووفّى به ومات عليه رحمه الله.

كيف كان يجمع بين شتى العلوم؟

كان كثير من علماء المسلمين في الماضي يطرقون أكثر من علمٍ ويبدعون في كلِّ ما يشتغلون فيه. كذلك كان الشيخ يحبُّ طرق أبواب علوم مُختلفة. اشتغل بالعلوم الشرعيَّة وعلوم العربية منذ نعومة أظفاره، وقرأ من أُمَّات الكُتب في صغره ما لا يكاد يقرؤه طُلاب الدراسات العُليا في أيامنا. واشتغل بالأدب وحفظ من الشعر الكثير، واطَّلع على آداب اللغات الأجنبيَّة. وكان يحب أن يطلع على علوم مُختلفة تُعجبه منها أشياء فيأخذ منها حاجته.

كيف ربّى الشيخ أحفاده؟

لم يبخل الشيخ بشيء من رعايته وتربيته لتلاميذه الذين علَّمهم في مراحل مختلفة من حياته ورعاهم كما يرعى الأب أبناءه، فكيف به مع بناته وأحفاده.

لم يُرزق الشيخ بأولاد، بل رزقه الله بخمس من البنات، وكان سعيداً بذلك كلَّ السعادة، راضياً كلَّ الرضى، يعبِّر عن ذلك كثيراً بقوله أن الله جعله من الصنف الأول، إشارة للآية ?يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا?، وقد بذل كُلَّ ما أوتي لبناته وكُنَّ أغلى عليه من نفسه، وكان لأحفاده في قلبه مكانٌ كبير، لكن دون مكان بناته الذي لا يزاحمهنَّ عليه أحد، بل إن مكانة الأحفاد إنما هي نتيجة لمكانة البنات وليست مستقلة عنها، وكان يقولها صراحةً ولا يؤذينا ذلك منه.

وفعل مع أحفاده؛ خاصَّة الأوائل منهم، كثيراً مما فعل مع بناته. فأغدق علينا الكثير، وعلمنا الكثير ووجَّهنا أعظم توجيه. زرع الإيمان في قلوبنا وعلَّمنا حُبَّ العلم وكيف يُطلب العلم. لا يأتي ذكر مسألة ولا تساؤل إلا قال هات الكتاب الفلاني فراجع هذه المسألة، وإذا شككنا في ضبط كلمة أنزلنا المعاجم وراجعناها حتى نتبيَّنها.

في إحدى حواشي (مجاهد ديرانية) خبر حادثة أُصيب بها في صغره.

هذه الحادثة كانت في بيت مَصيف كان الشيخ استأجره في صيف 1963م في مضايا قرب دمشق، واجتمع فيه مع بناته وعائلاتهنَّ، بقي في ذاكرتي منها بقايا صورٍ باهتة. كانت داراً صغيرة تتقدَّمها شُرفة تعلو بستاناً بسورٍ ارتفاعه ربما كان نحو مترين، ننزل منها للبستان بسلَّمٍ خشبي، فوقع أخي مجاهد من أعلى السُّور إلى البستان وكانت سقطة شديدة أصابته بجروحٍ لكنَّ الله سلَّم.

كيف كانت علاقة زوجة الشّيخ بمؤلّفاته؟

جدتي رحمها الله لم تكن متعلِّمة لكنها تقرأ وتكتب، وكانت ذكية جداً وطلقة اللسان في مجالسها، وقد حفظت كثيراً مما كان يتحدث الشيخ به، وكانت تتقبل برحابة صدرٍ شكل الحياة التي تُفرض على من هو مثله في العلم والأدب، وتصف طريقته غير المألوفة في تسيير أموره ومواقفه التي يخرج فيها عمَّا اعتاد الناس من عادات باطلة، تصفها مُداعبة بقولها إن الأستاذ علي عبقري وهذا شذوذ العباقرة. وكانت رحمها الله امرأة شديدة؛ فكانت عوناً له في حياته تقوم بأمر العائلة إذا سافر الأيام الطِّوال، وتعمل على إنجاز ما لا يُحسنه هو من الأعمال من شراء الحاجات وغير ذلك.

جمع الله له كلتا الحُسنيين فصار أديباً فقيهاً، متى كان ذاك؟ وما هي العوامل -بعد فضل الله- التي كانت سبباً في ذلك؟

بالرَّغم من ظهور علي الطنطاوي القوي أديباً كاتباً في شبابه، لكنَّه لم يكن بعيداً عن الفقه والعلوم الشرعيَّة، فأبوه كان من فقهاء الشام المعروفين وأسرته أسرة علماء لا أدباء، وقد قرأ أُمَّات كتب الفقه في صغره في مجالس أبيه وفي حلقات الأموي وفي المدرسة، وهذا التَّمكن من العلم الشرعي واضح في كتاباته المُبكرة، وعلى رأسها رسائل في سبيل الإصلاح؛ التي كانت أول ما نُشر له وهو في العشرين من عمره. بعد ذلك دَرس الحقوق في جامعة دمشق وفيها كثير من الدراسة الفقهية. ثم تعمَّق في فقه الأحوال الشخصية كثيراً أثناء عمله في القضاء وعندما وضع قانون الأحوال الشخصية. وزاد فقهاً على فقه بعد استقراره في المملكة واشتغاله ببرنامجيه في الرَّائي والإذاعة وإجابته عن أسئلة المشاهدين والمستمعين، وإفتائه للسائلين في كل مكان وعلى الهاتف، ورجوعه لكل مسألة فيها لبسٌ يبحث ويُنقب فيها حتى يجلوها،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير