- فالإعرابُ به تتميَّز المعاني، ويوقَف على أغراض المتكلِّمين. ولنَضرِب مثلاً يوضِّح هذه المزية:
لو أن قائلاً قال: (ما أحسنْ زيدْ) غيرَ مُعربٍ، أي سَكَّن أواخرَ الكلمات، لم يُعرف مراده.
فإذا قال: (ما أحسنَ زيدًا!) وأظهر علامات الإعراب عرفنا أنه يتعجَّب.
وإذا قال: (ما أحسنُ زيدٍ؟) وأظهر علامات الإعراب عرفنا أنه يستفهم عن أحسن شيء في زيد.
وإذا قال: (ما أحسنَ زيدٌ) بالإعراب عرفنا أنه ينفي الإحسانَ عن زيد.
- ومن مزايا اللغة العربية أنَّ للأبنية (الصيغ) دلالاتٍ تجعل السامعَ يدرك من معرفته للصيغة المرادَ. وللأوزان في هذه اللغة
معانٍ، ومن ذلك ما هو معروفٌ ومشهور كالأسماء المشتقَّة من نحو اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبَّهة واسم الزمان
واسم المكان وأفعل التفضيل واسم الآلة، والمصدر الدالِّ على المرَّة والمصدر الدالِّ على الهيئة.
- ولأوزان الأفعال وتصاريفها دلالاتٌ معينة:
فمثلاً (فاعَلَ) تدلُّ على تعلُّق الفعل بمتعدِّد، وعلى المنافسة، مثل: قابَلَ وزاحَمَ ونافَسَ. وهكذا.
و (تفاعل) تدلُّ على المشاركة وتعدُّد الفاعلية، وقد تدلُّ على التظاهُر بالشيء، مثل: تَجاهَلَ، وتَغابَى، وتَمارَضَ.
ولأوزان الكلمات معانٍ معينة:
فمثلاً (فُعال) تدلُّ على الأصوات، مثل: رُغاء، وثُغاء، وعُواء.
و (فُعالَة) تدلُّ على البَقايا، مثل: حُثالَة، نُخالَة.
و (فِعالَة) تدلُّ على الحِرفَة، مثل: زِراعَة، حِياكَة.
وهذه الطريقةُ في اشتقاق الألفاظ من مَواردها الأصلية، وتصريفها في أشكالٍ متنوِّعة، واستخدام هذه الأبنية، تختلفُ عن طريقة التركيب الإلحاقي المعروفة في لغاتٍ أخرى والتي تقوم على زيادة أحرُف مخصوصة في أول الكلمة أو في آخرها لتدلَّ على معنًى خاص.
و إنَّ وجود هذه القوالبِ الفكرية العامَّة في اللغة العربية توفِّر على المتكلِّم والمتعلِّم كثيراً من الجهد في التعبير والفَهم والإدراك.
- و قد تميزت حروف العربية بانفرادها بحروف لا توجد في اللغات الأخرى, كالضاد والظاء والعين والغين والحاء والطاء والقاف, وبثبات الحروف العربية الأصيلة
- ومن مزايا هذه اللغةِ أن أصواتَ الحروف العربية يُنطَقُ بها الآنَ كما كان يَنطِقُ بها أهلُها قبل خمسةَ عشرَ قرناً، والفضل في ذلك يعود إلى القرآن الكريم.
- ومن مزايا هذه اللغةِ ثباتُها على مرِّ الزمان ومحافظتُها على خصائصها ومفرداتها، فما قاله زهير وعنترة والحطيئة قبل خمسةَ
عشرَ قرنًا يقرؤه العربيُّ المعاصر اليومَ فيفهم مَعناه.
- انظر قولَ زهير:
ومَنْ لا يَذُدْ عن حَوضِهِ بسِلاحِهِ يُهَدَّمْ ومَنْ لا يَظلمِ الناسَ يُظْلَمِ
ومَن يَغترِبْ يَحسِبْ عدوّاً صَديقَهُ ومَن لا يُكرِّمْ نفسَه لا يُكَرَّمِ:
- وقول الحطيئة
أقِلُّوا عَلَيْهِمْ لا أبَا لأبِيكُمُ منَ اللَّومِ أو سُدُّوا المكانَ الذي سَدُّو أُولئكَ قَومٌ إِنْ بَنَوا أَحْسَنُوا البِنَى وإن عاهَدُوا أَوْفَوْا وإن عَقَدُوا شَدُّوا
إن هذه الأبياتِ كأنها نُظمت الآن، وهذا إنما كان بسبب ارتباط اللغة بالقرآن، وقد كان هذا سبباً في أن يجعلَ أجيالَ الأمة
المتعاقبة يستفيدون من تُراث أمَّتهم الثقافي ومن أفكار عباقرتهم على مرِّ العصور، وكان سبباً في جعلِ أبناء أقطارٍ متباعدة يتكلَّمون لغةً واحدة من شواطئ الأطلسيِّ إلى حُدود فارس .. وجعلِ هذه اللغةِ إطاراً استوعَبَ ثمرات عقول ضَخمة وعبقريات
فذَّة .. وذلك من فضل الله علينا وعلى الناس. وبالموازنة مع الإنكليزية نجد أن ما كتبه شكسبير (1564 - 1616م) يحتاج اليومَ الراغبون في فهمه من الإنكليز إلى مُترجم يُترجمه لهم.
- تكامل حروف اللغة في مخارجها وتوزعها عمن أقصى الحلق إلى الشفتين في الأمام، وأطراف اللسان، واللسان ذاتها الحروف موزعةً عليها توزيعاً عجيباً، ولذلك نحن نستطيع أن ننطق سائر الحروف التي لديهم من كمال مخارجنا، ونقول: (تي وبي) لكن هل منهم من يستطيع أن ينطق بسهولة (ع، ح، غ، ق، ص، ط)؟ لا يستطيعون إلا بصعوبة، فمخارجنا أكمل من مخارجهم
¥