و الرجل ظاهرة فريدة في الأدب والثقافة العربية الحديثة، فهو كاتب له طريقته الخاصة لا تبارى أو تحاكى، وشاعر مبدع حقق في الإبداع الشعري ما بلغ ذروته في قصيدته "القوس العذراء"، ومحقق بارع لكتب التراث، قادر على فك رموزها وقراءة طلاسمها، ومفكر متوهج العقل ينقض أعتى المسلمات، ومثقف واسع الاطلاع في صدره أطراف الثقافة العربية كلها فكانت عنده كتابا واحدا.
أبو فهر محمود محمد شاكر رحمه الله قمة من قمم العربية، وعلم من أعلامها، والحديث عنه إنما هو حديث عن تاريخ هذه الأمة العربية: عقيدة ولغة وفكراً ورجالاً. أسأل الله أن يتغمده برحمته وأن يجزيه خير جزاء المجاهدين في سبيله.
ولد الشيخ رحمه الله ليلة العاشر من المحرم عام 1327هـ في مدينة الاسكندرية.
وتوفي يوم الخميس الثالث من ربيع الآخر عام 1418هـ.
وأما كتبه فهي كلها ثمينة نفيسة، وقد طبعتها دار الخانجي ويحضرني من كتبه المؤلفة وتحقيقاته ما يلي:
1 - المتنبي. ومعه رسالة في الطريق إلى ثقافتنا. وصدر عن دار الخانجي عام 1407هـ.
2 - أباطيل وأسمار.
3 - نمط صعب ونمط مخيف.
4 - برنامج طبقات فحول الشعراء.
5 - مداخل إعجاز القرآن. وهو آخر كتبه صدوراً.
6 - قضية الشعر الجاهلي في كتاب ابن سلام.
7 - ديوان شعر (اعصفي يا رياح).
8 - (دلائل الإعجاز) لعبدالقاهر الجرجاني رحمه الله، حققه وكتب على طرته (قرأه وعلق عليه أبو فهر محمود شاكر).
9 - أسرار البلاغة لعبدالقاهر الجرجاني. قرأه وعلق عليه كذلك.
10 - فضل العطاء على العسر للعسكري، ضبطه وعلق عليه محمود شاكر.
11 - إمتاع الأسماع للمقريزي، الجزء الأول. تحقيق.
12 - طبقات فحول الشعراء لمحمد بن سلام الجمحي. حققه وهو من أفضل تحقيقاته وشروحه.
13 - تحقيق تفسير الطبري بالتعاون مع أخيه أحمد محمد شاكر رحمه الله. وبلغ في تحقيقه إلى منتصف سورة إبراهيم.
14 - تهذيب الآثار للطبري حقق منه 6 أجزاء.
15 - الوحشيات لأبي تمام، زاد في تعليقات الميمني عليه.
16 - جمهرة نسب قريش وأخبارها حققه كذلك.
وأما مقالاته الثمينة فقد جمعت ولله الحمد قريباً بعنوان (جمهرة مقالات محمود محمد شاكر) جمعها تلميذه عادل جمال في مجلدين كبيرين وطبعتها دار الخانجي.
وقد كتبت عنه دراسات كثيرة، طبع منها:
- شيخ العربية وحامل لوائها أبو فهر محمود محمد شاكر بين الدرس الأدبي والتحقيق لمحمود إبراهيم الرضواني.
وقد طبعته دار الخانجي في حياة الشيخ رحمه الله عام 1415هـ.
- محمود محمد شاكر الرجل والمنهج لحسن القيام.
- وهناك رسائل أخرى بعضها في جامعة اليرموك في الأردن بعنوان (محمود محمد شاكر والشعر الجاهلي) وغيرها كثير.
- وهناك كتاب طبعته دار الخانجي بعنوان (دراسات عربية وإسلامية) مهداة للعلامة محمود شاكر بمناسبة بلوغه السبعين شارك في كتابة هذه البحوث والمقالات عدد من طلابه الشيخ ومحبيه وهو كتاب نفيس
ظل العلامة الشيخ محمود محمد شاكر سنوات طويلة في عزلة اختارها لنفسه، يقرأ ويدرس ويصدح في واحته الظليلة، لا يسمع غناءه إلا المقربون منه من تلامذته ومحبيه تاركا الدنيا ببريقها وأضوائها وراء ظهره، ولم يخرج من واحته إلا شاكي السلاح مستجيبا لدعوة الحق حين يشعر بأن ثقافة أمته يتهددها الخطر، فيقصم بقلمه الباتر زيف الباطل، ويكشف عورات الجهلاء المستترين وراء الألقاب الخادعة؛ ولذلك جاءت معظم مؤلفاته استجابة لتحديات شكلت خطرا على الثقافة العربية.
البداية والتكوين
ينتمي محمود شاكر إلى أسرة أبي علياء من أشراف جرجا بصعيد مصر، وينتهي نسبه إلى الحسين بن علي رضي الله عنه، وقد نشأ في بيت علم، فأبوه كان شيخا لعلماء الإسكندرية وتولى منصب وكيل الأزهر لمدة خمس سنوات (1909 - 1913م)، واشتغل بالعمل الوطني وكان من خطباء ثورة 1919م، وأخوه العلامة أحمد شاكر واحد من كبار محدثي العصر، وله مؤلفات وتحقيقات مشهورة ومتداولة.
انصرف محمود شاكر -وهو أصغر إخوته- إلى التعليم المدني، فالتحق بالمدارس الابتدائية والثانوية، وكان شغوفا بتعلم الإنجليزية والرياضيات، ثم تعلق بدراسة الأدب وقراءة عيونه، وحفظ وهو فتى صغير ديوان المتنبي كاملا، وحضر دروس الأدب التي كان يلقيها الشيخ المرصفي في جامع السلطان برقوق، وقرأ عليه في بيته: الكامل للمبرد، والحماسة لأبي تمام.
المواجهة الخافتة
¥