تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فائقةً إلى تَوْعِيَة الشَّعْب في بلاده، فأنشأ جريدةَ "نفير سورية"، وهي أوَّلُ جريد وطنيَّة راقية، داعيًا إلى الأُلفة ونَبْذ الأحْقَاد. ثمّ رأى أنّ القلوب لا تتَّفِقُ إلاّ إذا اعتادَت الاتِحادَ والوئامِ صغيرةً، فأَسَّس سنةَ 1863 "المدرسة الوطنيّة" الشهيرة، وكانت أوَّلَ مدرسةٍ وطنيّةٍ عاليةٍ، فأَمَّها الطُلاّبُ من مُخْتَلفِ الطوائِفِ ومُخْتلفِ المنَاطِق ومِنَ البُلْدانِ المُجاوِرَةِ ليَتعلَّمُوا فيها، في جُمْلَةِ ما يتعلَّمون، العربيّة والإنكليزيّةَ والفرنسيّة ومَحبَّة الإنسان والتَّعَلُّقَِ بالأَوْطانِ. بالإضافة إلى ذلك أنشأَ سنةَ 1870 مجَلَّةً سياسيَّةً علميَّةً أدبيَّةً تاريخيَّةً أسماها "الجِنان"، كما أنشأَ في العامِ نفسه صحيفةً سياسيَّة تجاريَّةً أدبيَّةً أسبوعيَّةً، أسماها "الجَنَّة". وكذلك أنشأَ، سنةَ 1871، بِمُساعدةِ ابْنِه سَليم، صَحيفَةً سياسيَّةً تجاريَّةً يوميَّةً أسماها "الجُنَيْنَة".

أمّا في مَيْدان التَّأْليف فقد ترك المُعَلَّم بُطْرُس البُسْتاني آثارًا كان لها أبْلَغُ الأَثَر في ثقافةِ عَصْره. فبالإضافة إلى إسهامه في ترجمة التَّوْراة ترك كُتُبًا عديدةً في الحِساب والصَّرْف والنَّحو واللُّغة والأدب، كما ترك عددًا من الخُطَب والمُحاضرات والمقالات التي كان يُلْقيها في الجَمْعِيَّات ويُدَبِّجها في الجَرائد والمَجلات. إلاّ أنّ أهمّ مؤلَّفاته اثْنانِ:

الأَوَّل: "دائرة المَعارِف" التي عَرَّفها بقوله إنّها "قاموسٌ عامّ لِكُلِّ فَنٍّ ومَطْلَبٍ"، وقد صدَر منها في حياته سِتَّة أجزاءٍ، وصدَر منها بعد وفَاته خمسهُ أجزاءٍ اشْتغلَ فيها أبناؤه، وبِخاصّةٍ سَليم، ونَسيبُه سُلَيْمان. وتوقَّفَ العمل قَبْلَ أن يكْتَمِلَ المَشْروع. وتُعْتَبر هذهِ المَوْسُوعةُ أوَّلَ مَوْسُوعَةٍ وَطَنيَّةٍ قائمةٍ على المنهج الحديث في التَّأْليف.

الثّاني: مُعجَم "مُحيط المُحيط"، وهو أوَّل قاموسٍ عَصْرِيٍّ في اللُّغَة العربيّة، طَبَعَهُ في مُجَلَّدين كبيرين في بيروت سنة 1870، ورَفَعَه إلى السُّلطانِ العُثْمانيّ، فنال عليه "الوِسام المَجيديَّ الثَّالِث". ولا يزال هذا المُعجمُ أَحَدَ أَهَمِّ المَعاجِمِ العربيّةِ الحَديثةِ، يَحْتاجُ إليهِ كلُّ عالمٍ وطالبٍ، رَغْمَ مُرُور أَكْثر من مئة عامٍ على تأليفه. ذلك أنّه رَتَّبهُ على حُروف المُعجم باعتبار الحرف الأَوَّلِ منَ الثُّلاثيِّ المُجَرَّد؛ وجَمَع فيه كثيرًا من مُصْطَلَحات العُلوم والفُنون، سواءٌ منها القاموسِيَّةُ أمِ المُعَرَّبَةُ؛ وشرَح أُصولَ بعض الألفاظ الأجنبيّة؛ وجمَع كثيرًا منَ الألفاظ العاميَّة الحيّة وفَسَّرها؛ واعتمد المَعاجمَ القديمة المَوْثوقة؛ واستَخدم العِبارة البسيطة.

وقد قامت "مكتبة لبنان" بإعادة طَبْع المُعْجم بِمُجلَّدّيْهِ، ثمّ جدَّدتْ طَبْعَه سنة 1977، وفي مُجلّ‍َدٍ واحدٍ، وصَحَّحتِ الأخطاء الطِّباعيَّة، ومَيَّزَتِ المَداخِلَ الجذْرِيَّةَ والرَّئيسيَّةَ بِلَوْنٍ مُخْتَلِفٍ، ممّا يُساعِدُ على سُهولة اسْتِعمالِ المُعجَم. يُمْكِنُ القولُ أخيرًا إنَّ المُعَلِّم بُطْرُس البُسْتاني، الذي توفيَّ سنةَ 1883، كان أوّلَ مَنْ أَسَّس مدرسةً وطنيَّةً عالِيَةً، وأَوَّلَ مَنْ ألَّفَ قاموسًا عربيًّا عَصْرِيًّا مُطَوَّلاًّ، وأَوَّلَ مَنْ أنشَأَ مَجَلَّةً راقِيَةً، وأَوَّلَ مَنِ ابْتدأ بمَشْرُوعِ دائرةِ مَعَارِف باللُّغَةِ العربيّة، فكان بِحَقٍّ واحدًا من أكْبر زُعماءِ النَّهْضةِ الحَديثةِ.

مُقَدِّمة الناشر

اعتمد المعلمُ بُطرس على قاموس الفيروزأبادي. مُضِيفًا إليه ثروةً من المُفردات والتعابير المُعاصرة والمُولّدة التي أهملها جامعو المعاجم العربيّة، فأخرجهَ بمنْهَجِيَّةٍ عِلميَّةٍ حديثة وبتبَويبٍ سليم يتلاءَمُ مع طبيعَة اللغة العربية واشتقاقاتها الواسعة.

وَقد حَظِيَ مُحيط المحيط مُنذ ظُهوره باهتمام اللغويين والدارسين والكُتَّاب والطلَّبَة والمثَقَّفين عامَّةً، فأقبلوا على اقتنائه. بالإضافة إلى أن بعض كُليِات آداب اللغة العربية كانت وما زالت تعتبر محيط المحيط واحداً من الكتبِ المقُرَّرة في برنامجها الدراسي.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير